اجتنبوا الأوثان وقول الزور
(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) لما تمثّله من قذارة روحية تشوّه صفاء التصور والمشاعر ، لربطها العبادة بالأوثان ، ولما توحيه من قذارة فكرية تمثلها حالة التخلف التي يجسدها خضوع الإنسان للأحجار الجامدة ، التي لا تملك أيّة قيمة ذاتية ولا أي معنّى ، ولا تنطوي على أي سر من أسرار القوّة إلا ما تصنعه الأوهام الزائفة ، ولما تحركه من قذارة معنوية عمليا على مستوى أقوال الإنسان وأفعاله ، فهو عند ما يتعبّد لها في صلاته ، ويبتهل إليها في دعائه ، ويقدم لها القرابين في نذوراته ، ويهلّ بها في ذبائحه ، تنفذ الوثنية إلى روحه وفكره وممارساته ، فيتحجّر ويتحوّل إلى مخلوق محدود في آفاقه ، قذر في مشاعره وتطلّعاته ، ولهذا لاحق الإسلام كل مظاهر الوثنيّة في حياة الإنسان ، ليبعده عن كلّ الكلمات والحركات والعلاقات التي تمتّ إلى الوثنية بصلة قريبة أو بعيدة ، لينأى به عنها من الداخل والخارج. ولذا جاء هذا الأمر القرآني باجتناب معاني القذارة والخبث الكامنة فيها ، بحيث يصبح أمر اجتنابها طبيعيا كما هو اجتناب أيّة قذارة حسيّة في الحياة ، وجاء أمر اجتنابها في مناسبة الحج ، عند الطواف بالكعبة أو الصفا والمروة حثّا لهم للابتعاد عن عبادة الأوثان التي كان يلمّ بها المشركون ويذكرونها على الذبائح أو القرابين ، من أجل أن يكون الحج نظيفا من ذلك كله.
(وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) ، الذي يمثل الباطل في الفكر والعاطفة والحياة ، والذي يتحوّل إلى انحراف في الخط العملي للإنسان ، لأن الكلمة تعني الموقف ، في ما تعبر عنه من حركة الموقف في الداخل وفي الخارج ، ولذلك فإنها قد تترك تأثيرا سلبيا على مجمل الواقع من حولها ، فتشوّه صورته ، وتزيّف معانيه ، وتنحرف به إلى اتجاه آخر ، يضيع الحقوق إذا تحوّل