شأنكم ، فقال لأبي قتادة : «هات الميضأة (١٣)» ، فقربت إليه فحل السقاء (١٤) وتفل فيه وصب في الميضأة فوضع يده فيه ثم قال : «ادنوا فخذوا» ، فجعل الماء يزيد والناس يأخذون حتى ما أبقوا معهم سقاء إلّا ملئوه وأرووا خليهم وأبلهم والميضأة ملأى ثم زاد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في السقاء حتى ملأه وبقي في الميضأة ثلثاه ثم توضئوا كلهم حين أصبحوا وهو يزيد ولا ينقص.
ومن أعلامه صلىاللهعليهوسلم : أن ناقة له ضلت في توجهه إلى تبوك فتفرّق الناس في طلبها وكان عنده عمارة بن حزم وفي رحل عمارة زيد بن اللصيت وكان يهوديا قد أسلم ونافق ، فقال زيد في رحل عمارة : يزعم محمد أنه نبي يخبركم خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن منافقا يقول أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم بخبر السماء ولا يدري أين ناقته ، والله لا أعلم إلّا ما علمني ربي وقد أعلمني أنها في الوادي في شعب كذا حبستها سمرة (١٥) بزمامها» ، فبادر الناس فوجدوها كذلك فأتوه بها ، فرجع عمارة بن حزم إلى رحله وقال : لقد عجبت مما ذكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال رجل كان في رحله مع زيد بن اللصيت : أن زيدا قال هذا قبل أن تطلع علينا ، فوجأ عمارة زيدا في عنقه وقال : إنك لداهية في رحلي اخرج يا عدو الله منه ، ولأجل ما لقيه في غزاة تبوك من الجهد قال لأصحابه : «ألا أسرّكم» ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : إن الله تعالى أعطاني الليلة الكنزين فارس والروم وأمدني بالملوك ملوك حمير يجاهدون في سبيل الله ويأكلون فيء الله» ، فكان ذلك.
ومن أعلامه صلىاللهعليهوسلم : أنه بعث خالد بن الوليد من تبوك في أربعمائة وعشرين فارسا إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل من كندة فقال خالد : يا رسول الله كيف لي به وسط بلاد كلب وإنما أنا في عدد يسير؟ فقال : ستجده يصيد البقر فتأخذه ، فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة قمراء صائفة وهو على سطح له من شدة الحر مع امرأته فأقبلت البقر تحك بقرونها باب
__________________
(١٣) الميضأة : وعاء ماء الوضوء.
(١٤) فحل السقاء : أكبر الأوعية.
(١٥) السمرة واحد السمر وهو شجر صغير تأكل النوق من ورقه.