فلو أننا أعدنا النظر فى «مناهج الأدلة» واكتفينا بالقرآن الكريم ، وبالسنة النبوية المفسرة للقرآن الكريم. أما القرآن فلأن الله قال فيه : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) والرسول قد آتى بالقرآن ، وأتى بالسنة المفسرة ، لقوله تعالى فى القرآن : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ، لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) لو أننا اكتفينا بهذين الأصلين العظيمين ، لسهلنا على المسلمين أن يتحدوا وأن يتعاونوا ، ولقللنا من عدد الفرق ، والأحزاب ، ولسهلنا على غير المسلمين الدخول فى دين الاسلام. واذا قل الخلاف وقل الكلام ، كثر العمل ، وعمرت الدنيا ونعم المسلمون بالخير.
وقد ارتد نصرانى (١) من أهل خراسان عن نصرانيته الى الاسلام ، ثم رجع الى دينه ، فحمل الى الخليفة «المأمون» حتى وافاه ـ «العراق» وسأله عن رجوعه الى النصرانية. فقال له : أوحشنى ما رأيت من الاختلاف فيكم. فقال له المأمون : لنا اختلافان :
أحدهما. كالاختلاف فى الأذان وتكبير الجنائز والاختلاف فى التشهد وصلاة الأعياد وتكبير التشريق ووجوه الفتيا ، وما أشبه ذلك. وليس هذا باختلاف انما هو تخيير وتوسعة وتخفيف من المحنة. فمن أذن مثنى وأقام مثنى ، لم يؤثم. ومن أذن مثنى وأقام فرادى ، لم يحوب. لا يتعايرون ولا يتعايبون. أنت ترى ذلك عيانا. وتشهد عليه تبيانا.
والاختلاف الآخر : كنحو اختلافنا فى تأويل الآية من كتابنا وتأويل الحديث عن نبينا ، مع اجماعنا على أصل التنزيل واتفاقنا على عين الخبر.
فان كان الّذي أوحشك هو هذا ، حتى أنكرت من أجله هذا
__________________
(١) هذه الرواية فى كتاب تاريخ الجدل للشيخ محمد أبو زهرة.