الكتاب ، فقد ينبغى أن يكون اللفظ بجميع التوراة والإنجيل متفقا على تأويله ، كما يكون متفقا على تنزيله ، ولا يكون بين جميع النصارى واليهود اختلاف فى شيء من التأويلات. وينبغى لك ألا ترجع الا الى لغة ، لا اختلاف فى تأويل ألفاظها. ولو شاء الله أن ينزل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا يحتاج الى تفسير ، لفعل. ولكنا لم نر شيئا من الدين والدنيا ، دفع إلينا على الكفاية. ولو كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحنة ، وذهبت المسابقة والمنافسة ، ولم يكن تفاضل. وليس على هذا بنى الله الدنيا.
فقال النصرانى : أشهد أن الله واحد. لا ند له ولا ولد ، وأن المسيح عبده ، وأن محمدا صادق ، وأنك أمير المؤمنين حقا». ا ه
هذا شيء ذكرته كدليل على نظرة غير المسلمين الى دين الاسلام.
وفى زمان المأمون أمير المؤمنين ظهرت جماعة فى المسلمين تقول : ان القرآن كان مع الله فى الأزل وانه لقديم قدم الله. اذ هو كلامه. وظهرت جماعة تقول : انه مخلوق محدث. ولو كان خلافهم كالخلاف فى «القرء» هل هو الحيض أو الطهر ، لكان خلافا هينا بسيطا ، كما قال المأمون أمير المؤمنين رضى الله عنه للنصرانى المرتد. وانما كان خلافهم ضد معانى آيات محكمات فى القرآن هى فى نظره واضحة الدلالة على المعنى المراد فى نظر العامى والعالم. فلذلك عد القائلين يقدمه فى عداد المشاغبين والمرجفين فى المدينة.
«واحتج عليهم (١) : بقوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) «وكل ما جعله الله فقد خلقه.» وقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
__________________
(١) خطابا المامون الى إسحاق ابن ابراهيم الّذي رواهما الطبرى ، فيهما مجموع حجج المامون على المعتزلة فى خلق القرآن. وقد نقلنا من كتاب الجدل للشيخ محمد أبو زهرة رحمة الله.