اقصى ما فى الباب : أن يقال : لا ندرى لم حدث الميل الى هذا الرغيف ، ولم يحدث الى ذلك الرغيف الآخر؟ لأنا نقول : سبب حدوث الميل فى قلوبنا ليس لميل آخر فى القلب ، والالزام التسلسل ، بل الميول والارادات تنتهى الى ميل وإرادة تحدث فى القلب ، اما بخلق الله تعالى ، أو بسبب من الأسباب السماوية. وحينئذ يكون هذا الاشكال زائلا.
والّذي يحقق هذا الكلام : أن العطشان اذا خير بين القدحين ، فانه ما لم يخص أحد القدحين بمد اليد لأخذه ، فانه لا يمكنه أن يشرب ذلك الماء. وما لم يمل قلبه الى أخذ ذلك القدح فانه لا يمد (١) يده إليه. فذلك الميل الخاص ، والإرادة الخاصة ، مرجحة لأحد الطرفين على الآخر. فثبت : أن فى هذه الصورة لم يحصل الرجحان الا لمرجح ، وأما أنه لم حدث الميل الى هذا ولم يحدث الى ذلك؟ فذلك مستند الى الأسباب الفلكية.
أجاب المتكلمون عن السؤال الأول : بأنا لا نقول : ان رجحان أحد طرفى الممكن على الآخر ، لا يحوج الى المرجح فى جميع المواضع ، بل نقول : الشيء اذا وجد بعد عدمه فهذا الحدوث وهذا الامكان هو المحوج الى المقتضى. فأما ترجيح الفعل على الترك فى حق القادر ، فذلك لا يحوج الى المؤثر (٢).
والّذي يدل عليه : أن الفرق بين القدر المختار ، وبين العلة الموجبة ، أمر معلوم بالضرورة. فان كل أحد يفرق بالضرورة بين كون الانسان مختار فى فعله وقوله وقيامه وقعوده ، وبين كون
__________________
(١) لا تمتد : ا
(٢) الى المرجح : ب