حصول هذا القيد وهذا المرجح ، ان كان التأثير واجبا. فهو المقصود. وان لم يكن واجبا عاد التقسيم. وافتقرنا الى قيد آخر ، ولزم التسلسل ، أو الانتهاء الى الوجوب. وهذا كلام قطع لا رجاء فى دفعه.
القول الثانى للمتكلمين فى هذا المقام : وهو ان صدور الفعل عن القادر ، لا يتوقف على انضمام الداعى والمرجح إليه. وهذا القول اختيار أكثر العلماء. وتقريره : ان العطشان اذا خير بين شرب قد حين متساويين من جميع الوجوه ، فانه يختار أحدهما على الآخر لا لمرجح. وكذلك الجائع اذا خير بين أكل رغيفين متساويين من جميع الوجوه. وكذا الهارب من السبع الضارى ، اذا عن له طريقان ، فانه يختار احدهما لا لمرجح. فثبت : أن صدور الفعل عن القادر لا يتوقف على الداعى.
قالت الفلاسفة : الاعتراض على هذا الكلام من وجهين
الأول : انه اذا جاز فى العقل رجحان أحد طرفى الجائز على الآخر لا لمرجح أصلا ، لم يكن الاستدلال برجحان أحد طرفى فى الممكن على الطرف الآخر ، على وجود المرجح ، طريقا صحيحا. واذا كان لا سبيل الى اثبات الصانع الا بهذا الطريق ، ثم صار هذا الطريق مطعونا فيه ، لزم بطلان الاستدلال بالامكان والحدوث على اثبات الصانع.
الثانى : انا اذا جربنا من أنفسنا فى القدحين والرغيفين والطريقين ، علمنا : أنه ما لم يحدث فى قلبنا ، ميل وداعية الى اختيار أحدهما دون الآخر ، فانا لا نختار ذلك المعين ، دون الآخر ، أو اذا علمنا : أنه لا بد فى الترجيح من حصول الميل الى أحدهما فى القلب على التعيين. فذلك الميل مرجح خاص. فثبت : أن فى هذه الصورة لم يحصل الرجحان الا مع المرجح.