واعلم : أن المخالفين فى هذه المسألة طوائف. ونحن نشير الى شبهة كل واحد منهم اشارة خفية :
النوع الأول من المخالفين : الذين يقولون : انه يمتنع كونه تعالى عالما بذاته. احتجوا عليه : بأن كون الشيء عالما بالشيء : اضافة مخصوصة بين العالم ، وبين المعلوم. وهذا لا يحصل الا بين الشيئين. فالشيء الواحد من جميع الوجوه يمتنع كونه عالما بنفسه. وهذا بخلاف علم الواحد منا بنفسه ، فان نفس الواحد منا ليست منزهة عن جميع جهات التركب. فلا جرم صح فى الواحد منا أن يعلم نفسه.
لا يقال : كونه تعالى عالما ، مغايرا لكونه معلوما. فلم لا يكفى هذا القدر من التغاير فى حصول علمه بذاته؟ لأنا نقول : كونه عالما ومعلوما : فرع عن قيام العلم به ، وقيام العلم به : فرع عن هذه التغاير ، فيلزم وقوع الدور.
والجواب : قد دللنا على أنه تعالى عالم بشيء ما ، وكل من علم الشيء أمكنه أن يعلم كونه عالما بذلك الشيء. ومن علم ذلك فقد علم نفسه. فثبت : أنه تعالى عالم بنفسه: قوله : «ان العلم اضافة مخصوصة ، واضافة الشيء الى نفسه محال (٤)» قلنا : لا نسلم. بدليل : أنه يصح أن يقال : علم ذاته : حقيقته.
النوع الثانى من المخالفين : الذين يسلمون كونه تعالى عالما بذاته المخصوصة ، لكنهم ينكرون كونه عالما بغيره. واحتجوا عليه : بأن العلم بأحد المعلومين : مغاير للعلم بالمعلوم الآخر ، بدليل : أنه لا يصح أن يعلم كون زيد عالما بأحد المعلومين ، مع الشك فى كونه عالما بالمعلوم الآخر. والمعلوم غير المشكوك. فكونه عالما بأحد المعلومين ، يوجب أن يكون مغايرا ، لكونه عالما بالمعلوم الآخر.
__________________
(٤) واضافة حقيقة الشيء الى نفسه محال : ب