اذا ثبت هذا ، فنقول : لو كان البارى تعالى عالما بالمعلومات الكثيرة ، لوجب أن يحصل فى ذاته بحسب كل معلوم : علم على حدة. وعلى هذا التقدير يحصل فى ذاته كثرة لا نهاية لها. وذلك محال.
الجواب : ليس العلم عبارة عن الصور المساوية للماهيات المعلومات المنطبعة فى ذات العالم ، بل العلم عبارة عن نسب مخصوصة ، واضافات مخصوصة بين ذات العالم وذات المعلوم. واذا كان كذلك ، فكونه عالما بالمعلومات الكثيرة ، يقتضي أن يحصل لذاته نسب كثيرة ، واضافات كثيرة. وهذا لا يقدح فى وحدة الذات. بدليل : أن الواحد نصف الاثنين وثلث الثلاثة ، وربع الأربعة. وهكذا. الى ما لا نهاية له من النسب ولم يقدح فى كون الوحدة وحدة ، فكذلك القول فى هذه المسألة.
النوع الثالث من المخالفين : الذين سلموا كونه تعالى عالما بالماهيات الكلية ، لكنهم منعوا من كونه تعالى عالما بالمتغيرات ، من حيث هى متغيرة. واحتجوا عليه : بأنه تعالى لو علم أن زيدا جالس الآن فى هذا المكان. فاذا قام زيد من ذلك المكان ، فان بقى ذلك العلم كان جهلا ، لأن اعتقاده أنه جالس هاهنا مع أنه غير جالس هاهنا : جهل. وان لم يبق ذلك العلم ، كان تغيرا. والتغير على الله تعالى محال.
واعلم : ان المتكلمين صاروا فريقين بسبب هذه الشبهة.
الفريق الأول ـ وهم جمهور المشايخ من أهل السنة ومن المعتزلة ـ قالوا : ان العلم بأن الشيء سيوجد : نفس العلم بوجوده اذا وجد. واحتجوا على قولهم : بأنا اذا علمنا : أن زيدا سيدخل البلد غدا. فاذا استمر هذا العلم الى الغد والى أن دخل زيد البلد. فانا بهذا العلم نعلم أن زيدا دخل الآن البلد. فعلمنا بأن العلم بأن الشيء