سيوجد ، نفس العلم بوجوده اذا وجد. وانما يحتاج الواحد منا الى علم آخر ، لأجل طريان الغفلة على العلم الأول. والبارى تعالى لما امتنع طريان الغفلة عليه ، لا جرم يكون علمه بأن الشيء الفلانى سيوجد ، هو نفس علمه بوجود ذلك الشيء ، حال ما يوجد.
وأما «أبو الحسين البصرى» فقال : هذا المذهب باطل. ويمتنع أن يقال : العلم بأن الشيء سيوجد ، هو نفس العلم بوجوده حال ما يصير موجودا. وله أن يحتج على ذلك بوجوه :
الحجة الأولى : ان من شرط المثلين أن يقوم كل واحد منهما مقام الآخر. والعلم (٥) بأن الشيء سيوجد ، لا يقوم مقام العلم بأنه موجود الآن. فان قبل وقوع المعلوم لو اعتقدنا بأنه سيقع بعد ذلك ، كان علما. ولو اعتقدنا أنه واقع الآن كان جهلا. وأما حال وقوعه ، فانه ينقلب الأمر. فلو اعتقدنا بأنه سيقع بعد ذلك ، وأنه الآن غير واقع ، كان جهلا. ولو اعتقدنا أنه الآن واقع ، كان علما. فثبت : أن كل واحد منهما لا يقوم مقام الآخر. وذلك يقتضي كون هذين الاعتقادين مختلفين فى الحقيقة. ومع هذا الاختلاف فى الماهية والحقيقة ، كيف يمكن دعوى الاتحاد؟
الحجة الثانية : ان كونه عالما بأنه سيقع ، غير مشروط بكونه واقعا فى الحال. وكونه عالما بوقوعه مشروط بوقوعه فى الحال. والشيئان اللذان يكون أحدهما مشروطا بشيء ، والآخر لا يكون مشروطا بذلك الشيء ، يمتنع أن يكون أحدهما نفس الآخر.
الحجة الثالثة ـ وهى التى عول عليها «أبو الحسين» ـ فقال : مجرد العلم بأن الشيء سيقع. لا يكون علما بوقوعه اذا وقع. فان
__________________
(٥) العلم بأنه موجود الآن لا يجوز أن يقوم مقام العلم بأنه سيوجد : ب