الشبهة الثانية : كل ما كان معلوما ، فهو متميز عن غيره. وكل ما له تميز وتخصص وتعين ، فهو ثابت متحقق. وما لا يكون ثابتا ولا متعينا ولا متحققا ، وجب أن لا يكون معلوما. وهذه الأشخاص وصفاتها وأحوالها ، كانت نفيا محضا وعدما صرفا ، قبل دخولها فى الوجود. فوجب أن لا تكون معلومة.
لا يقال : لم لا يجوز أن يقال : المعدوم شيء وذات. فلا جرم لم يمتنع كونها معلومة؟
لأنا نقول : القول بأن المعدوم شيء (هو) باطل. وبتقدير تسليمه فالثابت فى العدم انما هى الذوات والحقائق والماهيات ، أما الذوات بنعت كونها مركبة مؤلفة موصوفة بالأعراض ، فغير ثابتة فى العدم بالاتفاق. واذا كان الأمر كذلك ، وجب أن لا تكون هذه الأشخاص والأحوال معلومة قبل تحققها.
الشبهة الثالثة : لو كان عالما بكل ما سيدخل فى الوجود. لكان عالما بعدد ما يدخل فى الوجود من حركات أهل الجنة وأهل النار ، وكل ما كان عدده معلوما ، كان متناهيا. فيلزم اثبات النهاية لثواب أهل الجنة ، ولعقاب أهل النار. وذلك محال. فعلمنا : أنه تعالى لا يعلم هذه المتغيرات الا عند وقوعها.
والجواب عن الشبهة الثانية : انه منقوص بأن كل واحد منا يعلم والقدرة على الايقاع أصل الوقوع. والتبع للشىء لا يكون مانعا من الأصل.
والجواب عن الشبهة الثانية : انه منقوض بأن كل واحد منا يعلم أن الشمس غدا تطلع من مشرقها لا من مغربها. وهذا المعدوم معلوم.