وأما شبههم فى نفى صفة القدرة. فمن وجهين :
الشبهة الأولى : ان القدرة فى الشاهد مختلفة. وهى مع اختلافها مشتركة فى أنها لا تصلح لخلق الجسم. فهذا الحكم المشترك لا بد من تعليله بوصف مشترك. ولا مشترك بينهما الا كونها قدرا. واذا كان كونها قدرا علة لأن لا تكون صالحة لخلق الجسم وجب فى كل ما كان قدرة أن لا تكون صالحة لخلق الجسم. فلو كان الله تعالى قادرا بالقدرة ، لوجب أن لا يقدر على خلق الجسم ، واللازم محال فالملزوم مثله.
قالوا : هذا الكلام لازم على أصول «الأشعرية» فانهم قالوا : العرض والجوهر مشتركان فى صحة الرؤية. فلا بد من استناد هذا الحكم المشترك الى وصف مشترك. ولا مشترك يعقل بين الجوهر وبين العرض الا الوجود أو الحدوث. والحدوث لا يصلح لهذه العلة ، فبقى الوجود. والله تعالى موجود ، فوجب أن تصح رؤيته. فكذا نقول : القدرة فى الشاهد مشتركة فى أنها غير صالحة لخلق الجسم ، وهذا الحكم المشترك لا بد من تعليله بوصف مشترك ، والمشترك هاهنا هو كونها قدرا ، فوجب أن يكون كونها قدرا ، علة لهذا الامتناع. فوجب أن يحصل هذا الامتناع فى كل ما كان قدرة.
الشبهة الثانية : وهى ان القدرة فى الشاهد ، مع اختلافها ، لا يصلح شيء منها لخلق الجسم ، فلو فرضنا قدرة فى الغائب ، لكانت تلك القدرة اما أن تكون مثلا لهذه القدرة الموجودة فى الشاهد ، أو مخالفة لها. فان كانت تلك القدرة مثلا لهذه القدرة فى الشاهد ، ثم ان هذه القدرة لا تصلح لخلق الجسم ، فكذا تلك القدرة لا تصلح لخلق الجسم. فان كانت تلك القدرة مخالفة لهذه القدرة ، لم تكن مخالفتها لهذه القدرة أشد من مخالفة بعض هذه القدر لبعض. ولما كانت هذه القدرة مع ما بينا من المخالفة لا يصلح شيء منها لخلق الجسم ، فكذلك تلك القدرة الغائبة ، وجب أن لا تصلح لخلق الجسم.