فثبت بهذه الوجوه : أنه تعالى يمتنع كونه عالما بكل المعلومات بعلم واحد.
وانما قلنا : انه لا يجوز أن يعلم هذه المعلومات بعلوم متناهية. لأن المتناهى اذا وزع على غير المتناهى ، لزم أن يكون المعلوم بكل علم أشياء كثيرة. وقد بينا أنه لا يجوز أن يعلم بالعلم الواحد أكثر من معلوم واحد. وانما قلنا : انه لا يجوز أن يعلم المعلومات التى لا نهاية لها بعلوم لا نهاية لها ، لأن وجود عدد لا نهاية له محال. وذلك لأن كل عدد موجود. فهو قابل للزيادة والنقصان. وكل ما كان كذلك فهو متناه ، فكل عدد موجود فهو متناه. والعدد الّذي لا نهاية له يمتنع وجوده. ولما كان كونه تعالى عالما بالعلم ، لا بد وأن يكون على أحد هذه الأقسام وثبت أنها بأسرها باطلة ، ثبت : أن كونه تعالى عالما بالعلم محال.
الشبهة الثالثة : لو كان عالما بالعلم ، لكان اما أن يعلم ذلك العلم (٧) بنفس ذلك العلم ، أو بعلم آخر. ولأول باطل. لأن كون الشيء عالما بالشيء ، نسبة مخصوصة بين العالم والمعلوم. والنسبة لا تتحقق الا بين الشيئين. فثبت : أن العلم الواحد يمتنع أن يكون علما بنفسه. والثانى باطل أيضا. لأنه لو افتقر فى معرفة العلم الأول الى علم ثان ، لافتقر فى معرفة العلم الثانى الى علم ثالث. ويلزم التسلسل. وهو محال.
الشبهة الرابعة : لو كان تعالى عالما بالعلم ، لكان ذا علم. ولو كان ذا علم ، لحصل فوقه عليم. لقوله تعالى : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ : عَلِيمٌ) وهذا محال ، فهذا محال. فوجب أن لا يكون عالما بالعلم.
__________________
(٧) الشيء : ب