وأما المقام الثانى : وهو أن البارى تعالى موصوف بكلام النفس. فالذى يدل عليه : ما ثبت عندنا بالتواتر الظاهر (٥) من جميع الأنبياء والرسل عليهمالسلام : أنه تعالى أمر عباده بكذا ونهاهم عن كذا وأخبرهم بكذا. ولما ثبت بالمعجزات صدق الأنبياء والرسل عليهمالسلام ، وجب القطع بكونه تعالى آمرا وناهيا ومخبرا.
واذا ثبت هذا فنقول : هذا الأمر والنهى والخبر ، اما أن يكون من باب الألفاظ والعبارات ، واما أن يكون من باب المعانى والحقائق. فان كان الأول ، فتلك العبارات والألفاظ لا بد وأن تكون دالة على المعانى والمدلولات. فمدلول هذه العبارات فى حق الله تعالى اما أن يكون هو الارادات والاعتقادات ، واما أن يكون معنى مغايرا لها. لا جائز أن تكون تلك المعانى هى الارادات والاعتقادات. لأنا بينا أن الأمر قد يوجد بدون الإرادة. والخبر قد يوجد بدون الاعتقادات.
فثبت : أن مدلول هذه العبارات فى حق الله تعالى : معنى وراء الاعتقادات والارادات. فثبت : أنه تعالى موصوف بمعنى حقيقى. هو مدلول قوله : «افعل» وهو مغاير لارادته ، وانه تعالى موصوف بمعنى حقيقى ، هو مدلول قوله «الحمد لله» وهو مغاير لعلمه. ونحن نسمى ذلك المعنى بالأمر الحقيقى والخبر الحقيقى. وهو المطلوب.
فان قيل : كيف يمكنكم أن تستدلوا بقول الأنبياء والرسل عليهمالسلام على كونه تعالى متكلما ، مع أن نبوة الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ لا يمكن اثباتها الا بعد العلم بكونه تعالى متكلما. قلنا : لا نسلم أن العلم بصحة نبوة الأنبياء موقوف على العلم بكونه تعالى متكلما. وذلك لأنه
__________________
(٥) بالتواتر والظواهر : ا