لما ظهرت المعجزات على وفق دعاويهم ، ثبت كونهم صادقين ، سواء علمنا كونه تعالى متكلما أو لم نعلم ذلك.
وأما المقام الثالث ـ وهو أنا ندعى ان هذه الصفة قديمة ـ فنقول : لو كانت محدثة ، لكانت اما قائمة به أو بغيره ، أولا فى محل. فان كانت قائمة به كان الله تعالى محلا للحوادث. وهو محال. وان كانت قائمة بغيره ، فهو أيضا محال [وان لم تكن قائمة بشيء ، أو كانت قائمة. بغيره ، أو كانت موجودة لا فى محل. فهو محال] (٦) لأنا بينا : أن هذا الكلام صفة الله تعالى ونعته. ومن المحال أن تحصل صفة الشيء ونعته ، لا فيه بل فى غيره. والّذي يقوله المعتزلة من أنه يجوز أن يكون كلامه قائما بغيره ، فليس من هذا الباب. وذلك لأنهم فسروا الكلام القائم بغيره بأنه يخلق أصواتا وحروفا دالة بالوضع والاصطلاح ، على كونه تعالى مريدا لبعض الأشياء وكارها لبعضها. وهذا غير ممتنع البتة.
وأما نحن فى هذا المقام فقد بينا : أنه لو خلق ألفاظا دالة على الطلب وألفاظا دالة على الحكم والاسناد ، فلا بد من مدلولات لتلك الألفاظ ومفهومات. وبينا : أن الألفاظ الدالة على الطلب لا يمكن أن يكون مدلولها الإرادة ، والألفاظ الدالة على الخبر لا يمكن أن يكون مدلولها العلم ، فلا بد من صفات أخرى قائمة بذات الله تعالى ، تكون تلك الصفات مدلولة الألفاظ الدالة على الطلب ، والألفاظ الدالة على الخبر ، وتلك المدلولات يمتنع كونها مباينة عن ذات الله تعالى ، بل يجب كونها قائمة بذات الله تعالى.
فالذى يقوله المعتزلة من أنه يجوز أن يكون الحى متكلما بكلام قائم بالغير : حق وصدق. والّذي يقوله أصحابنا من أنه يمتنع أن يكون
__________________
(٦) ما بين القوسين : من ب