الحى متكلما بكلام قائم بالغير : حق وصدق. الا أن الكلام الّذي يشير إليه المعتزلة له معنى ، والكلام الّذي يشير إليه أصحابنا له معنى آخر ، والفريقان لما لم يشتغلوا بتلخيص محل النزاع ، لا جرم خفيت هذه المباحث والمطالب.
وأما المقام الرابع : وهو أن كلام الله تعالى واحد ، ومع كونه واحدا ، فهو أمر ونهى وخبر. فتحقيق الكلام فيه : يرجع الى حرف واحد ، وهو أن الكلام كله خبر ، لأن الأمر عبارة عن تعريف الغير أنه لو فعله ، لصار مستحقا للمدح ، ولو تركه لصار مستحقا للذم. وكذا القول فى النهى. واذا كان المرجع بالكل الى شيء واحد ، وهو الخبر ، صح قولنا : ان كلام الله تعالى واحد. فهذا مجموع ما تلخص فى هذا الباب.
* * *
واحتج القائلون بحدوث كلام الله تعالى بالمنقول والمعقول.
أما الشبه النقلية : فمن وجوه :
الشبهة الأولى : ان القرآن ذكر. وكل ذكر : محدث. فالقرآن محدث. وانما قلنا : ان القرآن ذكر ، لقوله تعالى : (ص. وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) [ص ١ ـ ٢] وقوله تعالى : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) [الأنبياء ٥٠] وقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف ٤٤] وأما أن كل ذكر محدث ، ففى سورة الأنبياء : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) [الأنبياء ٢] وفى سورة الشعراء : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) [الشعراء ٥].
الشبهة الثانية : تمسكوا بقوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ : أَنْ نَقُولَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ) [النحل ٤٠] وجه الاستدلال به من ثلاثة أوجه :