جعل قوله : وان غفلوا فى مقابلة قوله : نظروا. وانما يغفل الانسان عن أمر يفعله ويشتغل بتحصيله ، وما ذلك الا تقليب الحدقة.
الحجة السابعة عشر : أنشد بعضهم :
ونظرة ذى شجن وامق |
|
اذا ما الركائب ، جاوزن ميلا |
أثبت النظر بعد مجاوزة الركائب ميلا. ومعلوم : أن الرؤية غير حاصلة فى هذا الوقت ، ولما أثبت النظر حال عدم الرؤية ، ثبت أن النظر حال عدم الرؤية ، ثبت أن النظر غير الرؤية.
* * *
الحجة الثامنة عشر ـ ومن هاهنا نذكر الوجوه الدالة على أن النظر المقرون بحرف «الى» قد يجيء بمعنى الانتظار ، لا بمعنى الرؤية ـ
فنقول : قوله تعالى : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة ٢٣] معناه : أنها تنظر الى الرب لا الى غيره. وذلك لأن تقديم المفعول يفيد الحصر ، كما فى قوله تعالى : (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) [الشورى ٥٢] و (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود ٨٨] و (أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) [النجم ٤٢] و (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) [العلق ٨] و (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) [القيامة ٣٠] اذا ثبت هذا فنقول : مقتضى الآية : أنهم لا ينظرون الى غير الله تعالى. ولا شك أنهم يرون غير الله تعالى. وذلك لأنهم يرون الجنة والنار ومرافق القيامة. وذلك لأن المؤمنين نظارة فى ذلك اليوم ، لأنهم هم الآمنون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ولما دلت الآية على أنهم لا ينظرون الى غير الله تعالى ، ودل العقل على أنهم يرون غير الله ، علمنا : أن النظر غير الرؤية. أما اذا حملنا هذا اللفظ على الانتظار ، صح هذا الحصر. وذلك لأنهم لا ينتظرون الا رحمة الله ، ولا يتوقعونها الا منه.