__________________
بطول الأزمان ، وباستيلاء الملل الجاهلية علينا ، وبكون تلك الأمور لم تكن مباحة للناس كلهم. فما كان الشيء المباح للناس كلهم : الا نصوص الكتب فقط. والفقه المروى ما كان مدونا فى القديم ، للأمر المستفاض فى الملة. وهو : «الأمور التى أخبرتك بها شفاها ، لا يجوز لك أن تكتبها» وذلك كان فى غاية الحكمة من الشريعة ، لأنه هرب مما وقع فيه الناس أخيرا. وهو كثرة الآراء وتشعب المذاهب ، بسبب اشكالات تقع فى عبارة المدون للسهو الّذي يصحبه. ويحدث بسببه الانقسام بين الناس ويصيرون فرقا ، ويتحيرون فى الأعمال الشرعية ...
واتفق فى ابتداء الاسلام أن أصحابنا أخذوا عن المعتزلة ما أخذوا. ولم يأخذوا عن الأشعرية شيئا. لأنهم ظنوا أن آراء المعتزلة مقبولة للبرهنة عليها ... الخ (ج ١ ص ١٧٩ فصل : عا)
ثانيا : يقول مؤلف دلالة الحائرين : ان رؤية الله تعالى ممتنعة. كما يقول المعتزلة. ويذكر الحقيقة والمجاز فى الألفاظ الدالة على الرؤية هكذا :
«اعلم : أن «رأى» و «نظر» و «حزى» ثلاثة هذه الألفاظ تقع على رؤية العين ، واستعيرت ثلاثتها : لادراك العقل. اما ذلك فى «رأى» فمشهور عند الجمهور. قال : «ونظر فاذا بئر فى الصحراء» (تك ٢٩ : ٢) وهذه رؤية عين على الحقيقة لا على المجاز وجاءت «رأى» على المجاز : «وفى قلبى رأى كثير من الحكمة والعلم» (جاء ١ : ١٦) وهذا ادراك عقلى ، لا رؤية عين. وبحسب هذه الاستعارة ، تكون كل لفظة جاءت عن الرؤية فى الله تعالى. مثل قوله : «رأيت الرب» (١ مل ٢٢ : ١٩) «يرى له الرب» (تك ١٨ : ١) «ورأى الله ذلك أنه حسن» (تك : ١٠) «أرنى مجدك» (خر ٣٣ : ١٨) «فرأوا إله اسرائيل» (خر ٢٤ : ١٠) كل ذلك ادراك عقلى ، لا رؤية عين بوجه. اذ لا تدرك الأعين الا جسما ، وفى جهة. وبعض أعراضه أيضا. أعنى ألوان الجسم وشكله ونحوها. وكذلك هو تعالى لا يدرك بآلة.