والخبائث : أفعالهم المنكرة ، فمنها إتيان الذّكور ، وقطع السبيل ، إلى غير ذلك ممّا قد ذكره الله عزوجل عنهم في مواضع (١). قوله تعالى : (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا) أي : بإنجائه من بينهم.
(وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧))
قوله تعالى : (وَنُوحاً) المعنى : واذكر نوحا ، وكذلك ما يأتيك من ذكر الأنبياء (إِذْ نادى) أي : دعا على قومه (مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل إبراهيم ولوط. فأمّا الكرب العظيم! فقال ابن عباس : هو الغرق وتكذيب قومه. قوله تعالى : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) أي : منعناه منهم أن يصلوا إليه بسوء ، وقيل : «من» بمعنى «على».
(وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢))
قوله تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) وفيه قولان : أحدهما : أنه كان عنبا ، قاله ابن مسعود ، ومسروق ، وشريح. والثاني : كان زرعا ، قاله قتادة. (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) قال ابن قتيبة : أي : رعت ليلا ، يقال : نفشت الغنم بالليل ، وهي إبل نفش ونفّاش ونفاش ، والواحد : نافش ، وسرحت وسربت بالنهار. قال قتادة : النّفش بالليل ، والهمل بالنهار. وقال ابن السّكّيت : النّفش : أن تنتشر الغنم بالليل ترعى بلا راع.
الإشارة إلى القصّة
ذكر أهل التّفسير أنّ رجلين كانا على عهد داود عليهالسلام ، أحدهما صاحب حرث ، والآخر صاحب غنم ، فتفلّتت الغنم فوقعت في الحرث فلم تبق منه شيئا ، فاختصما إلى داود ، فقال لصاحب الحرث : لك رقاب الغنم ، فقال سليمان : أو غير ذلك؟ قال : ما هو؟ قال : ينطلق أصحاب الحرث بالغنم فيصيبون من ألبانها ومنافعها ، ويقبل أصحاب الغنم على الكرم ، حتى إذا كان كليلة نفشت فيه الغنم ، دفع هؤلاء إلى هؤلاء غنمهم ، ودفع هؤلاء إلى هؤلاء كرمهم ، فقال داود : قد أصبت القضاء ، ثم حكم بذلك ، فذلك قوله : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ) وفي المشار إليهم قولان : أحدهما : داود وسليمان ، فذكرهما بلفظ الجمع ، لأنّ الاثنين جمع ، هذا قول الفرّاء. والثاني : أنهم داود وسليمان والخصوم ، قاله أبو سليمان الدّمشقي. وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن أبي عبلة : «وكنا لحكمهما» على التثنية. ومعنى «شاهدين» : أنه لم يغب عنّا من أمرهم شيء. (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) يعني : القضيّة والحكومة.
__________________
(١) في سورة هود : ٧٨ ، والحجر : ٦٩.