قوله تعالى : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ) تقدير الكلام : وسخّرنا الجبال يسبّحن مع داود. قال أبو هريرة : كان إذا سبّح أجابته الجبال والطّير بالتّسبيح والذّكر ، وقال غيره : كان إذا وجد فترة ، أمر الجبال فسبّحت حتى يشتاق هو فيسبّح. قوله تعالى : (وَكُنَّا فاعِلِينَ) أي : لذلك. قال الزّجّاج : المعنى : وكنّا نقدر على ما نريده.
قوله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) في المراد باللّبوس قولان : أحدهما : الدّروع ، وكانت قبل ذلك صفائح ، وكان داود أوّل من صنع هذه الحلق وسرد ، قاله قتادة. والثاني : أنّ اللّبوس : السلاح كلّه من درع إلى رمح ، قاله أبو عبيدة. وقرأ أبو المتوكّل ، وابن السّميفع : «لبوس» بضم اللام. قوله تعالى : (لِتُحْصِنَكُمْ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ : «ليحصنكم» بالياء. وقرأ ابن عامر ، وحفص عن عاصم : «لتحصنكم» بالتاء. وروى أبو بكر عن عاصم : «لنحصنكم» بالنون خفيفة. وقرأ أبو الدّرداء ، وأبو عمران الجوني ، وأبو حيوة : «لتحصّنكم» بتاء مرفوعة وفتح الحاء وتشديد الصاد. وقرأ ابن مسعود ، وأبو الجوزاء ، وحميد بن قيس : «لتحصّنكم» بتاء مفتوحة مع فتح الحاء وتشديد الصاد مع ضمّها. وقرأ أبو رزين العقيلي ، وأبو المتوكّل ، ومجاهد : «لنحصّنكم» بنون مرفوعة وفتح الحاء وكسر الصاد مع تشديدها. وقرأ معاذ القارئ ، وعكرمة ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدريّ ، وابن السّميفع : «ليحصنّكم» بياء مرفوعة وسكون الحاء وكسر الصاد مشدّدة النون. فمن قرأ بالياء ، ففيه أربعة أوجه : قال أبو عليّ الفارسيّ : أن يكون الفاعل اسم الله ، لتقدم معناه ويجوز أن يكون اللباس ، لأنّ اللبوس بمعنى اللّباس من حيث كان ضربا منه ، ويجوز أن يكون داود ، ويجوز أن يكون التّعليم ، وقد دلّ عليه «علّمناه». ومن قرأ بالتاء ، حمله على المعنى ، لأنه الدّرع. ومن قرأ بالنون ، فلتقدّم قوله : «وعلّمناه». ومعنى (لِتُحْصِنَكُمْ) : لتحرزكم وتمنعكم (من بأسكم) يعني : الحرب.
قوله تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) وقرأ أبو عبد الرّحمن السّلمي ، وأبو عمران الجوني ، وأبو حيوة الحضرميّ : «الرّياح» بألف مع رفع الحاء. وقرأ الحسن ، وأبو المتوكّل ، وأبو الجوزاء : بالألف ونصب الحاء ، والمعنى : وسخّرنا لسليمان الرّيح (عاصِفَةً) أي : شديدة الهبوب (تَجْرِي بِأَمْرِهِ) يعني : بأمر سليمان (إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) وهي أرض الشّام ، وقد مرّ بيان بركتها في هذه السّورة (١) والمعنى : أنها كانت تسير به إلى حيث شاء ، ثم تعود به إلى منزله بالشّام.
قوله تعالى : (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) علمنا أنّ ما نعطي سليمان يدعوه إلى الخضوع لربّه. قوله تعالى : (وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) قال أبو عبيدة : «من» تقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكّر والمؤنّث. قال المفسّرون : كانوا يغوصون في البحر ، فيستخرجون الجواهر ، (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) قال الزّجّاج : معناه : سوى ذلك : (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) أن يفسدوا ما عملوا. وقال غيره : أن يخرجوا عن أمره.
(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤) وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٧٢.