وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦))
قوله تعالى : (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ) أي : دعا ربه (أَنِّي) وقرأ أبو عمران الجوني : «إني» بكسر الهمزة ، (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) وقرأ حمزة : «مسّني» بتسكين الياء ، أي : أصابني الجهد ، (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) أي : أكثرهم رحمة ، وهذا تعريض منه بسؤال الرّحمة إذ أثنى عليه بأنه الأرحم وسكت.
الإشارة إلى قصّته
ذكر أهل التّفسير (١) أنّ أيوب عليهالسلام كان أغنى أهل زمانه ، وكان كثير الإحسان. فقال إبليس : يا ربّ سلّطني على ماله وولده ـ وكان له ثلاثة عشر ولدا ـ فإن فعلت رأيته كيف يطيعني ويعصيك ، فقيل له : قد سلّطتك على ماله وولده ، فرجع إبليس فجمع شياطينه ومردته ، فبعث بعضهم إلى دوابّه ورعاته ، فاحتملوها حتى قذفوها في البحر ، وجاء إبليس في صورة قيمه ، فقال : يا أيوب ألا أراك تصلّي وقد أقبلت ريح عاصف فاحتملت دوابّك ورعاتها حتى قذفتها في البحر؟ فلم يردّ عليه شيئا حتى فرغ من صلاته ، ثم قال : الحمد لله الذي رزقني ثم قبله منّي ، فانصرف خائبا ، ثم أرسل بعض الشياطين إلى جنانه وزروعه ، فأحرقوها ، وجاء فأخبره ، فقال مثل ذلك ، فأرسل بعض الشياطين فزلزلوا منازل أيوب وفيها ولده وخدمه ، فأهلكوهم ، وجاء فأخبره ، فحمد الله ، وقال لإبليس وهو يظنّه قيّمه في ماله : لو كان فيك خير لقبضك معهم ، فانصرف خائبا ، فقيل له : كيف رأيت عبدي أيوب؟ قال : يا ربّ سلّطني على جسده فسوف ترى ، قيل له قد سلّطتك على جسده فجاء فنفخ في إبهام قدميه ، فاشتعل فيه مثل النار ، ولم يكن في زمانه أكثر بكاء منه خوفا من الله تعالى ، فلمّا نزل به البلاء لم يبك مخافة الجزع ، وبقي لسانه للذّكر ، وقلبه للمعرفة والشّكر ، وكان يرى أمعاءه وعروقه وعظامه ، وكان مرضه أنه خرج في جميع جسده ثآليل كأليات الغنم ووقعت به حكّة لا يملكها ، فحكّ بأظفاره حتى سقطت ، ثم بالمسوح ، ثم بالحجارة ، فأنتن جسمه وتقطّع ، وأخرجه أهل القرية فجعلوا له عريشا على كناسة ، ورفضه الخلق سوى زوجته ، واسمها رحمة بنت إفراييم بن يوسف بن يعقوب ، فكانت تختلف إليه بما يصلحه. وروى أبو بكر القرشيّ عن الليث بن سعد ، قال : كان ملك يظلم الناس ، فكلّمه في ذلك جماعة من الأنبياء ، وسكت عنه أيّوب لأجل خيل كانت له في سلطانه ، فأوحى الله إليه : تركت كلامه من أجل خيلك؟! لأطيلنّ بلاءك. واختلفوا في مدّة لبثه في البلاء على أربعة أقوال :
(٩٩٣) أحدها : ثماني عشرة سنة ، رواه أنس بن مالك عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
____________________________________
(٩٩٣) غريب. أخرجه البزار ٢٣٥٧ «كشف» وأبو يعلى ٣٦١٧ وابن حبان ٢٨٩٨ والحاكم ٢ / ٥٨١ والطبراني «الطوال» ٤٠ وأبو نعيم ٣ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥ من حديث أنس ، ورجاله رجال البخاري ومسلم ، وقال الحاكم على شرطهما! ، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي ١٣٨٠٠ : رجال البزار رجال الصحيح اه. وقال أبو نعيم : غريب من حديث الزهري لم يروه إلا عقيل ، ورواته متفق على عدالتهم. ومع ذلك استغربه ابن كثير في «تفسيره» ٣ /
__________________
(١) هذا الخبر بطوله ، من أساطير الإسرائيليين وترّهاتهم وافتراءاتهم ، وكل ذلك باطل ، وليعلم أن علماء العقيدة قد نصوا على أن الأنبياء لا يمرضون أمراضا منفرة تحطّ من قدرهم ، فهذه أخبار لو لم يذكرها المفسرون لكان أولى ، فتنبه والله أعلم.