قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) قال الزّجّاج : أي : ممّن له سحر ، والسّحر : الرّئة ، والمعنى : أنت بشر مثلنا. وجائز أن يكون من المفعّلين من السّحر ؛ والمعنى : ممّن قد سحر مرّة بعد مرّة. قوله تعالى : (لَها شِرْبٌ) أي : حظّ من الماء. وقال ابن عباس : لها شرب معروف لا تحضروه معها ، ولكم شرب لا تحضر معكم ، فكانت إذا كان يومهم حضروا الماء فاقتسموه ، وإذا كان يومها شربت الماء كلّه. وقال قتادة : كانت إذا كان يوم شربها ، شربت ماءهم أول النهار ، وسقتهم اللبن آخر النهار. وقرأ أبيّ بن كعب ، وأبو المتوكّل ، وأبو الجوزاء ، وابن أبي عبلة : «لها شرب» بضمّ الشين. قوله تعالى : (فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) قال ابن عباس : ندموا حين رأوا العذاب ، على عقرها ، وعذابهم كان بالصّيحة.
(أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (١٦٨) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٧١) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٧٥))
قوله تعالى : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ) وهو جمع ذكر (مِنَ الْعالَمِينَ) أي : من بني آدم ، (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) قال الزّجّاج : وقرأ ابن مسعود : «ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم» يعني به الفروج. وقال مجاهد : تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرّجال.
قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) أي : ظالمون معتدون. (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ) أي : لئن لم تسكت عن نهينا (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) من بلدنا. (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ) يعني : إتيان الرّجال (مِنَ الْقالِينَ) قال ابن قتيبة : أي : من المبغضين ، يقال : قليت الرّجل : إذا أبغضته.
قوله تعالى : (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) أي : من عقوبة عملهم (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ) وقد ذكرناهم في هود (١) ، (إِلَّا عَجُوزاً) يعني امرأته (فِي الْغابِرِينَ) أي : الباقين في العذاب. (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) أهلكناهم بالخسف والحصب ، وهو قوله تعالى : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) يعني الحجارة.
(كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠))
قوله تعالى : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر : «أصحاب ليكة» ها هنا ، وفي (ص) (٢) بغير همز والتاء مفتوحة ؛ وقرأ الباقون : «الأيكة» بالهمزة فيهما والألف. وقد سبق هذا الحرف (٣). (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ) إن قيل : لم لم يقل : أخوهم ، كما قال في (الأعراف) (٤)؟ فالجواب : أنّ شعيبا لم يكن من نسل أصحاب الأيكة ، فلذلك لم يقل : أخوهم ؛ وإنما أرسل إليهم بعد أن أرسل
__________________
(١) هود : ٨٠.
(٢) ص : ١٣.
(٣) الحجر : ٧٨.
(٤) الأعراف : ٨٥.