إلى مدين ، وهو من نسل مدين ، فلذلك قال هناك : أخوهم ، هذا قول مقاتل بن سليمان. وقد ذكرنا في سورة (هود) (١) عن محمّد بن كعب القرظي ، أنّ أهل مدين عذّبوا بعذاب الظّلّة ، فإن كانوا غير أصحاب الأيكة كما زعم مقاتل ، فقد تساووا في العذاب ، وإن كان أصحاب مدين هم أصحاب الأيكة ، وهو مذهب ابن جرير الطّبري كان حذف ذكر الأخ تخفيفا ، والله أعلم.
(أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤))
قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) أي : من النّاقصين للكيل ، يقال : أخسرت الكيل والوزن : إذا نقصته. وقد ذكرنا القسطاس في (بني إسرائيل) (٢).
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ) أي : وخلق الجبلّة. وقيل : المعنى : واذكروا ما نزل بالجبلّة (الْأَوَّلِينَ). وقرأ الحسن ، وأبو مجلز ، وأبو رجاء ، وابن يعمر ، وابن أبي عبلة : «الجبلّة» برفع الجيم والباء جميعا مشدّدة اللام. وقرأ أبو عبد الرّحمن السّلمي ، والضّحّاك ، وعاصم الجحدري : بكسر الجيم وتسكين الباء وتخفيف اللام. قال ابن قتيبة : الجبلّة : الخلق ، يقال : جبل فلان على كذا ، أي : خلق ، قال الشاعر :
والموت أعظم حادث |
|
ممّا يمرّ على الجبلّه |
(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١))
قوله تعالى : (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً) قال ابن قتيبة : أي قطعة (مِنَ السَّماءِ) ، و «كسف» جمع «كسفة» ، كما يقال : قطع وقطعة.
قوله تعالى : (رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) أي : من نقصان الكيل والميزان ؛ والمعنى : إنه يجازيكم إن شاء ، وليس عذابكم بيدي ، (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) قال المفسّرون : بعث الله عليهم حرّا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم ، فخرجوا من البيوت هربا إلى البرّيّة ، فبعث الله عليهم سحابة أظلّتهم من الشمس ، فوجدوا لها بردا ، ونادى بعضهم بعضا ، حتى إذا اجتمعوا تحتها ، أرسل الله عليهم نارا ، فكان ذلك من أعظم العذاب ، فالظّلّة : السّحابة التي أظلّتهم.
(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أََلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩))
__________________
(١) هود : ٩٤.
(٢) الإسراء : ٣٥.