قوله تعالى : (وَإِنَّهُ) يعني القرآن (لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم : «نزل به» خفيفا «الرّوح الأمين» بالرفع. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وأبو بكر عن عاصم : «نزّل» مشددة الزاي «الرّوح الأمين» بالنّصب. والمراد بالرّوح الأمين جبريل ، وهو أمين على وحي الله تعالى إلى أنبيائه ، (عَلى قَلْبِكَ) قال الزّجّاج : معناه : نزل عليك فوعاه قلبك ، فثبت ، فلا تنساه أبدا. قوله تعالى : (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) أي : ممّن أنذر بآيات الله المكذّبين ، (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) قال ابن عباس : بلسان قريش ليفهموا ما فيه.
قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) وقرأ الأعمش : «زبر» بتسكين الباء. وفي هاء الكناية قولان : أحدهما : أنها ترجع إلى القرآن ؛ والمعنى : وإنّ ذكر القرآن وخبره ، هذا قول الأكثرين. والثاني : أنها تعود إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قاله مقاتل. والزّبر : الكتب.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائيّ : «أو لم يكن» بالياء «آية» بالنّصب. وقرأ ابن عامر ، وابن أبي عبلة : «تكن» بالتاء «آية» بالرفع. وقرأ أبو عمران الجوني ، وقتادة : «تكن» بالتاء «آية» بالنصب ، قال الزّجّاج : إذا قلت : «يكن» بالياء ، فالاختيار نصب «آية» وتكون «أن» اسم كان ، وتكون «آية» خبر كان ، المعنى : أولم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم حقّ ، وأنّ نبوّته حقّ؟! «آية» : علامة موضّحة ، لأنّ العلماء الذين آمنوا من بني إسرائيل وجدوا ذكر النبيّ صلىاللهعليهوسلم مكتوبا عندهم في التّوراة والإنجيل. ومن قرأ «أولم تكن» بالتاء جعل «آية» هي الاسم ، و «أن يعلمه» خبر «تكن». ويجوز أيضا «أو لم تكن» بالتاء «آية» بالنّصب ، كقوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) (١) وقرأ الشّعبيّ ، والضّحّاك ، وعاصم الجحدري : «أن تعلمه» بالتاء.
(١٠٦١) وقال ابن عباس : بعث أهل مكّة إلى اليهود وهم بالمدينة يسألونهم عن محمّد صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : إنّ هذا لزمانه ، وإنّا لنجد في التوراة صفته ، فكان ذلك آية لهم على صدقه.
قوله تعالى : (عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) قال الزّجّاج : هو جمع أعجم ، والأنثى عجماء ، والأعجم : الذي لا يفصح ، وكذلك الأعجميّ ؛ فأمّا العجمي : فالذي من جنس العجم ، أفصح أو لم يفصح. قوله تعالى : (ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) أي : لو قرأه عليهم أعجميّ لقالوا : لا نفقه هذا ، فلم يؤمنوا.
(كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩))
____________________________________
(١٠٦١) لا أصل له. ذكره البغوي في «تفسيره» ٣ / ٣٩٨ والقرطبي ١٣ / ١٢٦ كلاهما عن ابن عباس بدون إسناد.
__________________
(١) الأنعام : ٢٣.