«وأنذر عشيرتك الأقربين» فقال : «يا معشر قريش : اشتروا أنفسكم من الله ، لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عبّاس بن عبد المطّلب لا أغني عنك من الله شيئا ، يا صفية عمّة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، يا فاطمة بنت محمّد سليني ما شئت ما أغني عنك من الله شيئا» وفي بعض الألفاظ : «سلوني من مالي ما شئتم». وفي لفظ : «غير أنّ لكم رحما سأبلّها ببلالها».
ومعنى قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) : رهطك الأذنين. (فَإِنْ عَصَوْكَ) يعني : العشيرة (فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) من الكفر. و (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) أي : ثق به وفوّض أمرك إليه ، فهو عزيز في نقمته ، رحيم لم يعجّل بالعقوبة. وقرأ نافع ، وابن عامر : «فتوكّل» بالفاء ، وكذلك في مصاحف أهل المدينة والشّام. (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : حين تقوم إلى الصلاة ، قاله ابن عباس ، ومقاتل. والثاني : حين تقوم من مقامك ، قاله أبو الجوزاء. والثالث : حين تخلو ، قاله الحسن. قوله تعالى : (وَتَقَلُّبَكَ) أي : ونرى تقلّبك (فِي السَّاجِدِينَ) وفيه ثلاثة أقوال : أحدها : وتقلّبك في أصلاب الأنبياء حتى أخرجك ، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني : تقلّبك في الرّكوع والسجود والقيام مع المصلّين في الجماعة ؛ والمعنى : يراك وحدك ويراك في الجماعة ، وهذا قول الأكثرين منهم قتادة. والثالث : وتصرّفك في ذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين ، قاله الحسن.
(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣))
قوله تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) هذا ردّ عليهم حين قالوا : إنما يأتيه بالقرآن الشياطين. فأمّا الأفّاك فهو الكذّاب ، والأثيم : الفاجر ؛ قال قتادة : وهم الكهنة.
قوله تعالى : (يُلْقُونَ السَّمْعَ) أي : يلقون ما سمعوه من السماء إلى الكهنة. وفي قوله تعالى : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) قولان : أحدهما : أنهم الشياطين. والثاني : الكهنة.
(وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧))
قوله تعالى : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) وقرأ نافع : «يتبعهم» بسكون التاء ؛ والوجهان حسنان ، يقال : تبعت واتّبعت ، مثل حفرت واحتفرت.
(١٠٦٥) وروى العوفيّ عن ابن عباس ، قال : كان رجلان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد تهاجيا ، فكان مع كل واحد منهما غواة من قومه ، فقال الله : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ). وفي رواية أخرى عن ابن عباس ، قال : هم شعراء المشركين ، قال مقاتل : منهم عبد الله بن الزّبعري ، وأبو سفيان بن حرب ، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي ، في آخرين ، قالوا : نحن نقول مثل قول محمّد ، وقالوا الشّعر ، فاجتمع
____________________________________
(١٠٦٥) واه. أخرجه الطبري ٢٦٨٣٨ عن عطية العوفي عن ابن عباس ، وهو واه لأجل عطية العوفي.