(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
الحمد لله الذي زلزل بما أظهر من صنعته أقدام الجاحدين ، واستزل بما أبان من حكمته ثبت المبطلين ، وأقوى قواعد الإلحاد بما أبدي من الآي والبراهين ، واصطفى لصفوته من عباده عصابة الموحدين ، ووثقهم من أسبابه بعروته الوثقى وحبله المتين ، فلم يزالوا للحق ناظرين وبه ظاهرين ، ولله ولرسوله ناصرين ، وللباطل وأهله دامغين ، إلى أن فجر الإيمان وأشرق ضوءه للعالمين ، وخسف قمر البهتان ، وأضحى كوكبه من الآفلين ، ذلك صنع الذي أتقن كل شيء (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ).
فنحمده على ما أولي من مننه ، وأسبغ من جزيل نعمه ، حمدا تكل عن حصره ألسنة الحاصرين ، ونشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة مبوأة لقائلها جنة الفوز والعقبى في يوم الدين ، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله إلى الكافة أجمعين ، فأوضح بنوره سبل السالكين ، وشار بهدايته أركان الدين ، وصلى الله عليه وعلى آله أجمعين وبعد :
فإني لما تحققت أن العمر يتقاصر عن نيل المقاصد والنهايات ، ويضيق عن تحصيل المطالب والغايات ، وتنبتر ببتره أسباب الأمنيات ، وتفلّ بفله غر الهمم والعزمات ، مع استيلاء الفترة ، واستحكام الغفلة ، وركون النفس إلى الأمل ، واستنادها إلى الفشل ، علمت أنه لا سبيل إلى ذروة ذراها ، ولا وصول إلى أقصاها ، ولا مطمع في منتهاها ، فكان اللائق البحث والفحص عن الأهم فالأهم ، والنظر في تحصيل ما الفائدة في تحصيله أعم ، وأهم المطالب وأسني المراتب من الأمور العملية والعلمية ما كان محصلا للسعادة الأبدية ، وكمالا للنفس الناطقة الإنسانية ، وهو اطلاعها على المعلومات ، وإحاطتها بالمعقولات. ولما كانت المطلوبات متعددة والمعلومات متكثرة ، وكل منها فهو عارض لموضوع علم يستفاد منه ، وتستنبط معرفته عنه ، كان الواجب