__________________
ـ إلاهية قال الله تعالى : (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) وكذلك لو فرضنا في توارد الإرادة والاقتدار على فعل واحد فإما أن يشتركا في نفس الإيجاد وهو قضية واحدة لا يقبل الاشتراك وإما أن ينفرد أحدهما بالإيجاد فيكون المنفرد هو الإله والثاني يكون مغلوبا مقهورا وكذلك لو فرضنا في فعلين متباينين حتى يذهب كل إله بما خلق فيكون استغناء كل واحد منهما عن الثاني افتقارا إليه لأن نفس الاستغناء استعلاء وفي الاستعلاء إلزام قهر وغلبة على الثاني. ولنزد هذا بيانا وشرحا فإن التمانع في الفعل إن أوجب استحالة الإلهين والتمانع في الاستغناء بالذات أدل على استحالة الإلهين. فنقول لو قدرنا إلهين استغنى كل واحد منهما عن صاحبه من كل وجه خرج المستغني عنه عن كمال الاستغناء فإن المستغني على الإطلاق من يستغني به ولا يستغنى عنه فيكون كل واحد منهما مستغنيا عنه فيكون مفتقرا قاصرا عن درجة الاستغناء المطلق فلن يتصور إذا إلهان مستغنيان على الإطلاق والله الغني وأنتم الفقراء إشارة إلى هذا المعنى. ونقول : لو قدرنا إلهين فإما أن يكونا مختلفين في الصفات الذاتية أو متماثلين والمختلفان يستحيل أن يكونا إلهين لأن الصفة الذاتية التي بها تقدس الإله عن غيره إذا كانا مختلفين فيها كان الذي اتصف به هو الإله والمخالف ليس بإله وإما أن يكونا متماثلين في الصفات الذاتية من كل وجه فالمتماثلان ليس يتميز أحدهما عن الثاني بالحقيقة والخاصية فإن حقيقتهما واحدة بل بلوازم زائدة على الحقيقة مثل المحل والمكان والزمان وكل ذلك ينافي الإلهية أليس لما كان السوادان متماثلين لم يتميز أحدهما بحقيقة السوادية بل باختلاف المحل أو باختلاف الزمان وكذلك الجوهران فدل ذلك على أن التماثل في الإلهية لن يتصور بوجه ليس كمثله شيء إشارة إلى هذا المعنى. ونقول من المعلوم أن الطريق إلى إثبات الصانع هو الدليل بالأفعال إذ الحس لا يشهد عليه والأفعال التي شاهدناها دلت عليه من جهة جوازها وإمكانها في ذاتها والجواز قضية واحدة تدل على الصانع من حيث إنها ترددت بين الوجود والعدم فلما ترجح جانب الوجود اضطررنا إلى إثبات مرجح وليس في نفس الجواز وترجحه ما يدل على مرجحين كل واحد منهما يستقل بالترجيح فإنه لو لم يستقل بالترجيح لم يكن إلها وإنما ترجح جانب الوجود لأنه أراد التخصيص بالوجود وكما أراد علم أنه هو المرجح ، فلو قدرنا مرجحا آخر وشاركه في الترجيح بطل الاستقلال ، ولم يكن علمه وإرادته وقدرته أيضا بأن يكون هو المرجح وإن لم يشاركه في الترجيح وكان متعطلا لم يكن علمه وإرادته وقدرته أيضا بأن يكون هو المرجح بل يكون علمه متعلقا بترجيح غيره وإرادته كذلك ، ـ