كان الأول فمستحيل ؛ إذ القدرة الإلهية غير مخصصة له وإلا أفضى إلى التسلسل ، فلا يتصور قصد الشركة فيها. وإن كان الثاني فلا محالة أن قصد الشركة غير قصد نفس المشترك فيه ، وقصد المشترك فيه يعني أن يكون مضافا في الإيجاد والإحداث إلى أحدهما على وجه الاستقلال ، من غير أن يكون للآخر تأثير البتة ، وليس القول بإضافته إلى أحدهما على الخصوص بأولى من الآخر ، لكونهما مثلين وذلك يفضي إلى القول بانتفاء الحوادث وهو محال ، فإن قيل : قد صادفنا في العالم خيرا وشرا ، وكل واحد منهما يدل على مريد له ، ولا محالة أن مريد الشر لا يكون مريدا للخير ، وكذا بالعكس ، واختلاف المرادات يدل على اختلاف المريد.
قلنا : الاستدلال على وجود الإله إنما هو مستند إلى الجائزات ، وافتقارها إلى المرجح من حيث هي جائزة ، ولا اختلاف بينها فيه ، والفاعل لها إنما يريدها من حيث وجودها ، والوجود من حيث هو وجود خير محض لا شر فيه ، وهو ما يقع مرادا للباري ـ تعالى ـ وأما الشر من حيث هو شر فليس هو مستندا إلى اختلاف الأغراض ، أو إلى قول الشارع : افعل أو لا تفعل ، كما سنبينه ، وذلك مما لا يوجب كونه شرا في نفسه ، فإذا ليس الشر بما هو شر ذاتا يطلب حدوثها ولا عدمها حتى يقال إن ما اقتضاه يجب أن يكون غير ما اقتضى نفس الخير. ثم لو قدرنا أن ذلك مما يصح قصده وأنه ذات وأنه حقيقة ، لكن لا يخفى التحكم بدعوى انتسابه في الإيجاد إلى غير ما نسب إيجاد الخير له ، بل لا مانع من أن يكون إيجادهما بإيجاد موجد واحد ، إلا على فاسد أصل القائل بالصلاح والأصلح وتحسين الفعل لذاته وتقبيحه ، وسيأتي وجه إبطاله إن شاء الله.
وهذا آخر ما أردنا ذكره هاهنا ، والله الموفق للصواب.