ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون.
ومبدأ النظر ومجال الفكر ينشأ من الحوادث الموجودة بعد العدم ، فإن وجودها إما أن يكون لها لذاتها أو لغيرها : لا جائز أن يكون لها لذاتها وإلا لما كانت معدومة ، وإن كان لغيرها فالكلام في ذلك الغير كالكلام فيها.
وإذ ذاك فإما أن يقف الأمر على موجود هو مبدأ الكائنات. ومنشأ الحادثات ، أو يتسلسل الأمر إلى غير النهاية ، فإن قيل بالتسلسل فهو ممتنع.
أما على الرأي الفلسفي فلأنا إذا فرضنا ممكنات لا نهاية لأعدادها يستند بعضها إلى بعض في وجودها ، وفرضنا بالتوهم نقصان عشرة منها مثلا فإما أن يكون عددها مع فرض النقصان مساويا لعددها قبله أو أنقص أو أزيد ، لا جائز أن يكون مساويا ، إذ الناقص لا يساوي الزائد ، فإن قيل إنه أزيد فهو أيضا ظاهر الإحالة ، وإن قيل إنها أنقص فأحدهما لا محالة أزيد من الآخر بأمر متناه ، وما زاد على المتناهي بأمر متناه فهو متناه ، إذ لا بدّ أن يكون للزيادة نسبة إلى النامي بجهة ما من جهات النسب على نحو زيادة المتناهي على المتناهي ، ومحال أن يحصل بين ما ليسا متناهيين النسبة الواقعة بين المتناهيين. لكن هذا مما لا يستقيم على موجب عقائدهم وتحقيق قواعدهم ، حيث قضوا بأن كل ماله الترتيب الوضعي ، كالأبعاد والامتدادات ، أو ترتيب طبيعي ، وآحاده موجودة معا ، كالعلل والمعلولات ، فالقول بأن لا نهاية له مستحيل ، وأما ما سوى ذلك فالقول بأن لا نهاية له غير مستحيل ، وسواء كانت آحاده موجودة معا كالنفوس بعد مفارقة الأبدان والذوات ، أو هي على التعاقب والتجدد كالحركات ، فإن ما ذكروه ـ وإن استمر لهم فيما قضوا عليه بالنهاية ـ فهو لازم لهم فيما قضوا عليه بأن لا نهاية. وإذ ذاك فلا يجدون عن الخلاص من فساد أحد الاعتقاديين سبيلا ، إما في صورة الإلزام ، أو فيما ذكروه في معرض الدلالة والبرهان.
وليس لما ذكره الفيلسوف المتأخر من جهة الفرق بين القسمين قدح في