ولما وقع به الافتراق بين ذواتها.
وإن أمكن بيان ذلك فهو مما يطول ، ويصعب تحقيقه جدا على أرباب العقول. ولهذا انتهج «إمام الحرمين» هذا المنهج بعبارة أخرى فقال :
نعلم قطعا أن اختصاص العالم بشكله المقدر ، مع جواز أن يكون أصغر من ذلك أو أكبر ، وفرضه في مستقره من غير تيامن ولا تياسر ، واختصاص كل جزء من أجزائه بمكانه من المحيط إلى المركز ، بحيث كانت الأفلاك محيطة بالنار والنار محيطة بالهواء والهواء بالماء والماء بالتراب ، إلى غير ذلك من وجوه التخصيصات مما لا يستحيل القول بفرض وجود تلك الأجرام بذواتها مع غيرها ، كأن يكون العالم أصغر أو أكبر مما هو عليه أو متيامنا أو متياسرا مما هو عليه من مستقره أيضا ، ولو كان ذلك مما يثبت لها باعتبار ذواتها ، لما تصور فرض تبدله أصلا ، فإذا اختصاصها به إنما هو باعتبار مخصص خارج.
وما لزم الأول في قضيته فهو أيضا لازم لهذا القائل على طريقته ، مع لزوم بيان تناهي الأبعاد ، وفرض خلاء وراء العالم ، لضرورة صحة فرض التباين والتياسر.
ولأجل ذلك فر بعض المحققين في ذلك إلى بيان جهة الإمكان ، فقال : القسمة العقلية حصرت المعلومات في ثلاثة أقسام : واجب لذاته ، وممتنع لذاته ، وممكن لذاته. فالواجب هو الموجود الذي لو فرض معدوما لزم عنه المحال لذاته ، والممتنع لو فرض موجودا لزم عنه لذاته المحال ، والممكن : هو ما لو فرض موجودا أو معدوما لم يعرض عنه محال.
فالعالم إما أن يكون واجبا أو ممتنعا أو ممكنا لا جائز أن يكون واجبا لأن أجزاءه متغيرة عيانا ، وضروري الوجود لا يتغير بحال. ولا جائز أن يكون ممتنعا ، وإلا ما وجد. فتعين أن يكون لذاته ممكنا ، وكل ممكن فترجحه في جانب وجوده أو عدمه ليس إلا بغيره ، وإلا كان واجبا ممتنعا ، فترجح العالم في جانب وجوده ليس إلا بغيره.