ولا يلزم على هذا أن يقال : إذا كان العالم لا أول لوجوده امتنع القول بإيجاده بغيره ؛ إذ القول بإيجاد الموجود محال. فإن من حقق مواقع الإجماع من إيجاد الحادثات بعد العدم سلم أنه لا أثر في الإيجاد لسبق العدم ، فإن إيجاد الموجد له إما أن يتعلق به في حال وجوده ، أو في حالة عدمه ، أو في الحالتين جميعا ، لا جائز أن يكون متعلقا به في حالة عدمه ؛ إذ هو محال. وبه نفس فساد القسم الثالث أيضا. فبقي أن يكون متعلقا به في حال وجوده ، فإنه لو قطع النظر في تلك الحالة عن الموجد لما وجد المعلول ، وليس استناد الموجد إلى الموجد من جهة وجوده حتى يطرد ذلك في كل موجود ، بل الصحيح أن إسناده إليه ليس إلا من جهة إمكانه ، وذلك وإن استدعى سبق الإمكان على الوجود بالذات فهو لا يستدعي سبق العلة أصلا.
ثم ولو قيل : إنه مستند إلى الموجد من حيث وجوده ، فإنما يلزم القول بالاطراد أن لو وقع القول بالاشتراك بين الموجودات في مسمى الوجود لا في مجرد التسمية كما بيناه من قبل.
فإذا القول بإبطال لزوم القدم إنما يلزم أن لو جاز صدور العالم عما صدر عنه بجهة القدرة والإرادة ، ولا يخفى جواز ذلك ، لضرورة كون الباري قادرا مريدا ، كما أسلفناه ، كيف وسنبين اندراجه في طرف سبق العدم بطريقة جامعة بينهما ، وسبيل واحد موصل إليهما ، من غير احتياج إلى تخصيص دليل بكل واحد منهما.