بتصديق آدم وإبراهيم ، المنع من إحالة تصديق غيرهم من المرسلين ؛ فإنه مهما وجد دليل ، يدل على صدق بعض المخبرين بطريق اليقين ، لم يمتنع وجود مثل ذلك في حق غيره أيضا ، وما انفردت به التناسخية فهو فرع أصلهم في التناسخ وقد أبطلناه ، وعند ذلك فلا بد من معرف يعرف بالطرق الجيدة والأحوال السديدة ، التي يتعلق بها صلاح الخلق من مآلهم ؛ فإن ذلك مما لا يعرف العقل ؛ إذ الأفعال مما لا تقبح ولا تحسن لذواتها ، حتى يسبق العقل بدرك الصالح والفاسد منها ، بل لعل العقل قد يقبح من النفس بغض الأفعال التي تحصل بها الملاذ ، وتتعلق بها الأغراض ، إذا قطع النظر عما يتعلق بها من الملاذ ، ثم العبد إذا انتهى إلى العالم العلوي أو السفلي جزاء على فعله ، فما يفعله في حالة خسته أو في حالة رفعته ، مما يوجب اقتضاء زيادة في حاله يبقى مما لا مقابل له ؛ لانتهائه في درجة الثواب إلى ما لا درجة للثواب بعدها ، وكذلك في درجة العقاب أيضا ، وهو مما يفضي إلى تعطيل طاعة من هو في الدرجة العليا عن الثواب ، ومعصية من هو في الدرجة السفلى عن العقاب وهو مما يقبح على موجب اعتقاداتهم ، ولا محيص عنه ، ولا يتخيلن أن إنكار الرسالة مما يستدعي الإقرار بها ؛ من جهة الخبر عن الله تعالى بأن لا إرسال ولا رسول ، كما ظن بعض الأصحاب ؛ إذ الخبر بذلك ونفيه إنما يستند عندهم إلى الدليل العقلي لا إلى التوقيف السمعي ، وذلك لا يلزم منه الاعتراف بالرسالة أصلا ، إلى غير ذلك من قضايا العقول.
فإذا قد تنخل من مجموع ما ذكرناه ، عند النظر اللبيب ، والفهم الأريب ، جواز الإرسال وامتناع لزوم المحال ، وسيتضح ذلك زيادة إيضاح ببيان وقوعها بالفعل ، إن شاء الله تعالى.