المخالفين في معرض الاعتراض ، وإلى وجه إبطالها عند الانفصال ثانيا.
قال أهل الحق : الدليل الحق القاطع على وجوب قيام الإمام واتباعه شرعا ما ثبت بالتواتر من إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على امتناع خلو الوقت عن خليفة وإمام ، حتى قال أبو بكر في خطبته المشهورة بعد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «ألا إن محمدا قد مات ، ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به» (١) فبادر الكل إلى تصديقه ، والإذعان إلى قبول قوله ، ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين ، ولا تقاصر عنه أحد من أرباب الدين ، بل كانوا مطبقين على الوفاق ، ومصرين على قتال الخوارج ، وأهل الزيغ والشقاق ، ولم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك ، وإن اختلفوا في التعيين.
ولم يزالوا على ذلك مع ما كانوا عليه من الخشونة في الدين ، والصلابة في اليقين ، وتأسيس القواعد ، وتصحيح العقائد ، من غير أن يرهبوا في الله لومة لائم ، حتى بادر بعضهم إلى قتل الآباء والأمهات ، والإخوة والأخوات ، كل ذلك محافظة على الدين ، وذبا عن حوزة المسلمين ، والعقل ـ من حيث العادة ـ يحيل الاتفاق من مثل هؤلاء القوم على وجوب ما ليس بواجب ، ولا سيما مع ما ورد به الكتاب العزيز من مدحهم ، والسنة الشريفة في عصمتهم ، فقال ـ تعالى ـ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ١١٠] وقال ـ عليهالسلام ـ «أمتي لا تجتمع على الخطأ» ، «لا تجتمع أمتي على ضلالة» ، «لم يكن الله بالذي يجمع أمتي على الضلالة» ، «وسألت الله ألا يجمع أمتي على الضلالة فأعطانيها» (٢) إلى غير ذلك من الأحاديث. وهي وإن كانت آحادها آحادا فهي ، مع اختلاف ألفاظها وكثرتها ، تنزل منزلة التواتر في
__________________
(١) صحيح : رواه البخاري (٣ / ١٣٤١) ، (٣٤٦٧).
(٢) رواه الطبراني في الكبير (٢١٧١) (٢ / ٢٨٠) ، والحاكم في المستدرك (١ / ٢٠٠ ، ٢٠١ ، ٢٠٢).