وأما القول بأن الأنواع تتميز بالفصول ، وتمييز الفصول لا يكون بالفصول ، فنقول : إذا وقع الافتراق بالفصول ، فإما أن يقال هو نفس الأحوال ، أو الأحوال زائدة عليها : فإن قيل إنها نفس الأحوال التي بها يكون تميز الأشياء بعضها عن بعض فهو محال ، إذ الفصول داخلة في الحقائق ، أي لا تعقل حقائق الأنواع إلا بتعقلها أولا. وما لا يعقل الشيء إلا بتعقله أو لا فلا يكون صفة زائدة على الحقيقة على ما قررناه ، ومع كونه محالا فلم يتوصلوا إلى المطلوب إلا بتعيينه وهو ممتنع. وإن قيل إن الأحوال غير الفصول وإنها زائدة عليها فلا محالة أنه قد حصل التمييز بين [الأشياء] بالفصول لا بالأحوال.
وأما ما ذكروه في معرض الإلزام آخرا فإنما يلزم القائل من نفاة الأحوال : إن التماثل بين الذوات ليس إلا في مجرد الأسماء فقط ، أما على رأينا فلا. وبهذا يندفع قولهم إن إنكار الأحوال يفضي إلى حسم باب القول بالحد والبرهان.
وإما ما ذكروه من شبهة المتحرك والحركة وقولهم : إنا نعلم وجود الذات ثم نعلم كونها متحركة أو عالمة أو قادرة إلى غير ذلك فهو ، وإن كان صحيحا ، فالقول بأن علمنا بكون الذات متحركة أو عالمة غير قيام الحركة بها. وغير قيام العلم والقدرة بها ، هو موضع الخيال وحز الإشكال. بل ليس كون الشيء متحركا يزيد على قيام الحركة به ، ولا كونه عالما يزيد على قيام العلم به ، وكذلك في سائر أحوال الصفات. فإذا ما ذكروه ليس إلا مجرد استرسال بدعوى ما وقع الخلاف فيه. وهو غير معقول.
وإذا تحقق ما ذكرناه ، وتقرر ما مهدناه ، علم منه القول بنفي الأحوال ، إلا على ما أشرنا إليه من الاحتمال. ولقد كثرت طرق المتكلمين هاهنا في طرفي النفي والإثبات لكن آثرنا الإعراض عنها شحا على الزمان من التضييع فيما لا يتحقق به كبير غرض.
والله الموفق للصواب