مذهب أهل الحق أن الباري ـ تعالى ـ مريد على الحقيقة ، وليس معنى كونه مريدا إلا قيام الإرادة بذاته. وذهب الفلاسفة والمعتزلة والشيعة إلى كونه غير مريد على الحقيقة ، وإذا قيل : إنه مريد ، فمعناه عند الفلاسفة لا يرجع إلا إلى سلب أو إضافة ، ووافقهم على ذلك النجار من المعتزلة ، حيث إنه فسر كونه مريدا بسلب الكراهية والعلية عنه. وأما النظام والكعبي فإنهما قالا : إن وصف بالإرادة شرعا فليس معناه إن أضيف ذلك إلى أفعاله إلا أنه خالقها ، وإن أضيف إلى أفعال العباد فالمراد به أنه أمر بها. وزاد الجاحظ على هؤلاء بإنكار وجود الإرادة شاهدا ، وقال : مهما كان الإنسان غير غافل ولا ساه عما يفعله بل كان عالما به ، فهو معنى كونه مريدا. وذهب البصريون من المعتزلة إلى أنه مريد بإرادة قائمة لا في محل. وذهب الكرامية إلى أنه مريد بإرادة حادثة في ذاته. تعالى الله عن قول الزائغين.
والذي يقطع دابر أهل التعطيل أن يقال : لو لم يصدق كونه ذا إرادة ، لصدق أنه ليس بذي إرادة. ولو صدق ذلك أنتج قلبه معدولا لضرورة وجود الموضوع ، وقلبه إلى المعدول يجعل حرف السلب ليس متأخرا عن الرابطة الواقعة بين المفردين ، وصورة ذلك أن يقال : الباري هو ليس بذي إرادة ، ولو صح ذلك قلنا أن نقول : وكل ما ليس بذي إرادة فهو ناقص بالنسبة إلى من له إرادة ، فإن من كانت له الصفة الإرادية فله أن يخصص الشيء وله أن لا يخصصه ، شاهدا ، فالعقل السليم يقضي أن ذلك كمال له ، وليس بنقصان ، حتى إنه لو قدر بالنظر إلى الوهم سلب ذلك الأمر عنه ، كان حاله أولا أكمل
__________________
ـ وخصوصا ؛ فحاصلها راجع إلى التعريف بالحد اللفظي : وهو تبديل لفظ بلفظ مرادف له. وهذا إنما يفيد عند الجاهل بدلالة اللفظ ، العالم بمعناه ، وأما بالنسبة إلى الجاهل بنفس المعنى فلا. والأقرب في ذلك أن يقال : الإرادة عبارة عن معنى من شأنه تخصيص أحد الجائزين ، دون الآخر ؛ لا ما يلازمه التخصيص. انظر الأبكار : ١ / ٢١٥).