مذهب أهل الحق أن الباري ـ تعالي ـ عالم بعلم واحد قائم بذاته قديم أزلي متعلق بجميع المتعلقات.
وأما الفلاسفة فمختلفون :
١ ـ فمنهم من نفى عنه العلم مطلقا ولم يجوز أن يكون له علم متعلق بذاته ولا بغيره.
٢ ـ ومنهم من أوجب له ذلك ، لكن منع أن يكون متعلقا بغيره ، بل بذاته.
٣ ـ ومنهم من جوز عليه ذلك لكن بشرط كون المتعلق كليا ، وأما الجزئيات فإن تعلق بها فليس ذلك إلا على نحو كلي ، لا أنه متعلق بالجزئي ، من [حيث] هو جزئي.
__________________
ـ بوجوده بالذات ؛ فيجب أن يكون عالما ، بأن ذاته مبدأ لغيره. ومتى عليم أن ذاته مبدأ لغيره ، فلا بد وأن يكون عالما بذلك الغير ؛ لأن العلم بكونه مبدأ لذلك الغير ، علم بمعنى إضافي بين ذاته ، وما وجب عنه. ولا تحقق لذلك دون العلم بالمضافين ، ويلزم من علمه بذلك الغير ؛ علمه بما صدر عن ذلك الغير ، وهكذا على الترتيب النازل من عنده طولا ، وعرضا ، إلى ما لا يتناهى. المنهج الثاني : أنه بين كون الرب ـ تعالى ـ عالما بغيره ، ثم بين أن علمه بغيره يستلزم كونه عالما بذاته. فقال : إن علم غيره ؛ علم ذاته ، وقد علم غيره ؛ فيلزم أن يكون عالما بذاته. وبيان أنه يلزم من علمه بغيره ، علمه بذاته : أن من علم شيئا ؛ فلا بد وأن يعلم أنه عالم بذلك الشيء ، وعلمه بأنه عالم بذلك الشيء : علم بصفة له ؛ وهو كونه عالما ، والعلم بالصفة ، يستدعي العلم بالموصوف ؛ ضرورة. وإذا ثبت أنه يلزم من علمه بغيره ؛ علمه بذاته : فبيان أنه عالم بغيره هو أن واجب الوجود مجرد عن المادة ، وعلائقها. وطبيعة الوجود من حيث هو طبيعة الوجود ؛ غير ممتنع عليه أن يعلم ، ويعقل. وإنما يفرض له أن لا يعلم ؛ بسبب كونه في المادة ، ومتعلقا بعلائق المادة ، وواجب الوجود ليس في المادة ، ولا له تعلق بعلائق المادة كما يأتي ؛ فلا يمتنع عليه أن يعلم ، ويعقل. وكل ما لا يمتنع عليه أن يكون معلوما ، بانفراده لا يمتنع عليه أن يكون معلوما مع غيره من المجردات ؛ فواجب الوجود لا يمتنع عليه أن يكون معلوما مع غيره ، وكل ما لا يمتنع تعقله مع غيره ؛ فلا تمتنع مقارنة ماهيته لماهية ذلك الغير في العقل. انظر : الأبكار (١ / ٢٣٩).