ذهب أهل الحق من الإسلاميين إلى كون الباري ـ تعالى ـ متكلما بكلام قديم أزلي نفساني ، أحدي الذات ، ليس بحروف ولا أصوات ، وهو ـ مع ذلك ـ ينقسم بانقسام المتعلقات ، مغاير للعلم والقدرة والإرادة وغير ذلك من الصفات.
وأما أهل الأهواء المختلفون : فمنهم نافون للصفة الكلامية ، ومنهم مثبتون ... ثم المثبتون : منهم من زعم أن كلام الرب ـ تعالى عن قول الزائغين ـ مركب من الحروف والأصوات ، مجانس للأقوال الدالة والعبارات ، كالمعتزلة والخوارج والإمامية ، وغيرهم من طوائف الحشوية.
ثم اختلف هؤلاء : فذهب الحشوية إلى أنه قديم أزلي قائم بذات الرب تعالى. وذهب النافون إلى أنه حادث موجود بعد العدم ، قائم لا في محل ، لكن منهم من لم يجوز إطلاق اسم الحدث عليه مع كونه يقطع بحدثه ، ومنهم من لم يتحاش عن ذلك.
ومن المثبتين من زعم أن الكلام قد يطلق على القدرة على التكلم ، وقد يطلق على الأقوال والعبارات. وعلى كلا الاعتبارين فهو قائم بذات الرب ـ تعالى ـ ، لكن إن كان بالاعتبار الأول. فهو قديم متحد لا كثرة فيه ، وإن كان بالاعتبار الثاني كان حادثا متكثرا. وهؤلاء هم الكرامية ، ومن تابعهم
__________________
ـ بالصانع ـ تعالى ـ : إلى أنه لا يوصف بكونه متكلما ، لا بكلام ولا بغير كلام. وإذا أتينا على ما هو المنقول عن أرباب هذه المذاهب في هذه المسألة ؛ فلا بد من الإشارة إلى طرق عول عليها بعض الأصحاب في المسألة ، والتنبيه على ضعفها ، ثم نبين بعد ذلك ما هو المعتمد إن شاء الله ـ تعالى. فمنها : التمسك بقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] ، ووجه الاحتجاج به أنه أخبر بأن مصدر جميع المخلوقات أمره ، وهو قوله : (كُنْ) ، ويلزم من ذلك أن يكون أمره قديما ، وإلا لاستدعى أمرا آخر ، والكلام في ذلك الأمر كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع.