المحذوفَ الأولُ لا المتكررُ وقالوا عَلْماءِ بَنُو فلانٍ يريدون عَلَى الماءِ بنو فلان وبَلْحارِث فحذفوا الأول وأما ما ذكروه في الفصل الثالث من أن التخفيف والقلب يلحق الثاني من المكرر دون الأول فقد يَلْحَقُ الأوّلَ كما يَلْحَقُ الثاني وذلك قولهُم دِينَارٌ وقِيراطٌ ودِيوانٌ ونحو ذلك ألا تَرى أن القلب لَحِقَ الأولَ كما لحق الثاني في تَقَضَّيتُ وأَمْلَيْتُ ونحو ذلك وقد خُفِّفَتِ الهمزة الأُولَى كما خُفِّفَتِ الثانيةُ في نحو فقد جا أشراطُها ونحو ذلك فأما ما ذكروه من قولهم كأنِّي فقد حذفت غير الآخر من الأمثال إذا اجتمعت نحو قولهم إنا نفعل فالمحذوف ينبغي أن يكونَ الأسطَ دون الآخر ألا ترى أن النون الثانية قد حذفت من أنَّ في نحو علم أنْ سيكونُ منكم والنون من فعلنا لم تحذف في موضع فلذلك جعلنا المحذوفةَ الوُسْطَى وعملت المخففةُ في المضمر على حَدِّ ما عملتْ في المُظْهَر في نحو أن زيادا مُنْطَلِقٌ ولمَنطلقٌ وقد أجازه سيبويه وزعم أنها قراءة وقد يجيء على قياس ما أجازه في الظاهر هذا البيتُ الذي يُنْشده البغداديون :
فلو أَنْكِ في يومِ الرَّخاءِ سَأَلِتْني * فِراقَكِ لَمْ أبْخَلْ وأنتِ صَدِيقٌ
إلا أن هذا القياسَ إن رُفِضَ كان وَجهْاً لأن ما يحذف مع المظهرة أو يبدل إذا وُصِل بالمضمر رُدَّ إلى الأصل ألا تَرى أنهم يقولون من لَدْ الصلاةِ فإذا وَصَلُوا بالمضمر قالوا من لَدُنْه ومن لَدُنِّي وقالوا والله لأفعلنَّ فلما وصل بالمضمر قالوا بهِ لأَفْعَلَنَّ ويذهب سيبويه إلى أن أنَّ المفتوحةَ إذا خففت أُضْمِرَ معها القصةُ والحديثُ ولم يَظْهَرُ في موضع فلو كان اتصالُ الضمير بها مخففةً سائغا لكان خليقا أن تتصلَ بالمفتوحة مخففةً وقالوا ذَيَّا وتَيَّا في تحقير ذاوتا فاجتمعوا على حذف الأول من الأمثال الثلاثة فليس في هذا الفصل أيضاً شيء يمنع جوازَ قولِ سيبويه وما قالوه من الحذفِ في تَكَلَّمُ وتَذَكَّرُ فلما كان الحذفُ في الثاني دون الأول لأنه يَعْتَلُّ بالإدغام في نحو تَذَكَّرُ لأنه لو حذف حرف المضارعة لوجب ادخالُ ألف الوصل في ضَرْبٍ من المضارع نحو تَذَكَّرُ ودخولُ ألف الوصل لا مساغَ له هنا كما لا يدخل على أسماء الفاعلين والمفعولين ولأن حرفَ الجرّ أقوى من حرف المضارعة للدلالة عليه بالجرّ الظاهر في اللفظ فلهذا حذف الثاني