وكان الغلام الذي ناوله واقفاً.
فقال للمحذّر : ما الشاهد على صحّة قولك؟
قال : تجربه في الذي ناولك إيّاه.
قال : لا استجيز ذلك ، ولا استحله.
قال : فجربه في دجاجة.
قال : التمثيل بالحيوان لا يجوز.
وردّ القدح ، وأمر بقلبه ، وقال للغلام انصرف عنّي ، ولا تدخل داري ، وأمر باقرار جارية وجراية عليه ، وقال : لا يدفع اليقين بالشك ، والعقوبة بقطع الرزق نذالة) (١).
يقول المؤلّف : الصاحب بن عباد من وزراء آل بويه ، وكان ملجأً للعامّة والخاصّة ، ومرجعاً للامة والدولة ، ومن بنت شرف وعزة. وكان في الآداب والفضل والكمال وعلوم العربية اعجوبة الدهر ، ووحيد عصره.
يحكى انّه لمّا جلس للاملاء حضر عنده خلق كثير ، وكان المستملي الواحد لايقول بالاملاء حتّى انضاف إليه ستة ، كل يبلغ صاحبه. يعني يوصل كلامه الى الناس (٢).
وكانت كتب اللغة التي عنده تحتاج الى ستين جَمَلاً لنقلها.
وكانت للعلويين ، والسادة والعلماء ، والفضلاء عنده محل منيع ، ومرتبة رفيعة. وكان يدعو للعلماء ويشجعهم على التصنيف والتأليف.
وقد ألف لأجله الشيخ الفاضل الخبير ، والماهر الحسن بن محمّد القمّي (تاريخ قم).
__________________
(١) سفينة البحار : ج ٢ ، ص ١٤.
(٢) يقصد أنه من كثرة الازدحام لايسمع الجميع كلامه ، فيوصل الأول الأقرب إليه الذي يسمع كلامه الى الجماعة التي خلفه ، فينقل ذلك عن الأول الى الجماعة الاُخرى التي لم تسمع الجماعة الاُولى وهكذا. وهذا يدل على شدة الازدحام بحيث لم يصل كلام المتكلم إليهم.