حسن النظر والانصاف لهم ، وكان له وزير صق صالح يعينه على الاصلاح ويكفيه مؤونته ، ويشاوره في اُموره ، وكان الوزير أديباً عاقلاً ، له دين ، وورع ، ونزاهة عن الدنيا ، وكان قد لقي أهل الدين ، وسمع كلامهم ، وعرف فضلهم ، فأجابهم ، وانقطع اليهم بأخائه وودّه.
وكانت له من الملك منزلة حسنة وخاصّة. وكان الملك لا يكتمه شيئاً من أمره. وكان الوزير أيضاً له بتلك المنزلة ، إلاّ انّه لم يكن ليطلعه على أمر الدين ، ولا يفاوضه أسرار الحكمة.
فعاشا بذلك زماناً طويلاً. وكان الوزير كلما دخل على الملك سجد للاصنام (١) وعظمها وأخذ شيئاً في طريق الجهالة والضلالة تقية له.
فأشفق الوزير على الملك من ذلك ، واهتمّ به ، واستشار في ذلك أصحابه واخوانه ، فقالوا له : انظر لنفسك وأصحابك فإن رأيته موضعاً للكلام فكلمه وفاوضه ، وإلاّ فانّك انّما تعينه على نفسك ، وتهيجه على أهل دينك ، فانّ السلطان لا يغتربه ، ولا تؤمن سطوته.
فلم يزل الوزير على اهتمامه به ، مصافياً له ، رفيقاً به رجاء أن يجد فرصة فينصحه ، أو يجد للكلام موضعاً فيفاوضه.
وكان الملك ـ مع ضلالته ـ متواضعاً ، سهلاً ، قريباً ، حسن السيرة في رعيته ، حريصاً على اصلاحهم ، متفقداً لا مورهم.
فاصطحب الوزير الملك على هذا برهة من زمانه.
ثمّ انّ الملك قال للوزير ذات ليلة من الليالي بعدما هدأت العيون : هل لك أن تركب فيسير في المدينة ، فننظر الى حال الناس ، وآثار الأمطار التي اصابتهم في هذه الأيّام؟
فقال الوزير : نعم.
فركبا جميعاً يجولان في نواحي المدينة. فمرّا في بعض الطريق على مزبلة
__________________
(١) هكذا في المصدر المطبوع وفي البحار.