يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية» (١).
وبالجملة : فالمقصود من خلقة الإنسان إنّما هو وجود خليفة الله المشار إليه بقولهعزوجل: (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٢) ، وخلقه سائر الأكوان من الجماد والنبات والحيوان إنّما هو لضرورات تعيّش الإنسان ، واستخدامه إياها ، وانتفاعه بها ، ولئلّا تهمل فضالة المواد الّتي قد صرف صفوها وزبدتها في تكوّن الإنسان ، فإنّ الحكمة الإلهية والرحمة الرحمانية ، تقتضي أن لا يفوت حق من الحقوق ، بل يصيب كلّ مخلوق من السعادة قدرا يليق به ، ويحتمله ، ويستعدّ له ؛ تفضلا منه سبحانه ، وكرما وجودا.
ألا ترى كيف يجري حكم الإنسان في الأشياء بالتسخير ، فإنه ما من شيء إلّا وهو تحت تسخيره بالحقيقة ، كما أفاده بقوله عزوجل : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (٣) ، وقوله : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (٤).
والتسخير على ضربين : حقيقي ، وغير حقيقي.
أما الحقيقي : فهو على ثلاثة أقسام :
أدناها : الوضعي العرضي : كتسخيره سبحانه له وجه الأرض وما فيها للحرث والزرع، وغير ذلك (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ
__________________
(١) ـ المناقب لابن شهرآشوب : ١ : ٢٤٦ ، وصحيح ابن حبان : ١٠ : ٤٣٤.
(٢) ـ سورة البقرة ، الآية ٣٠.
(٣) ـ سورة الجاثية ، الآية ١٣.
(٤) ـ سورة النحل ، الآية ١٢ و ١٣.