الملائكة يلعنون العصاة ، في ألفاظ كثيرة (١).
وكلّ ذلك إشارة إلى أن الجاهل العاصي بمعصية واحدة جنى على جميع ما في الملك والملكوت ، وقد أهلك نفسه ، إلّا أن تتبع السيئة بحسنة تمحوها ، فيبدل اللعن بالاستغفار.
والعالم يعلم الأشياء بحقائقها ، وأسبابها ، وغاياتها ، إلى أن ينتهي إلى مسبب الأسباب ، ويكون علمه الّذي يطابق معلوماته زينة لذاته ، وكمالا لنفسه ، فكل واحد من الأسباب والمسببات المعروفة عنده يكون له مدخل في تتميم ذاته ، وتكميل جوهره ، وهذا معنى استغفار كلّ شيء للعالم ، فإنّ الإنسان إذا بلغ درجة العلم والإيمان ، وخرج من نوم الجهالة ، ورقدة الطبيعة ، غفر الله له ما تقدّم من ذنوب الجهالة والظلمة ، وسيّئات العمى والحرمان ، وطهره من دنس جرائم الإجرام ، وشهوات النفس والهوى ، وهذا معنى المغفرة وتحقّقها من فضل الله ، كما وعدها عباده ، وما ورد في الآثار : أن من فعل حسنة كتبت له حسنة ، ومحيت عنه سيئة ، ورفعت له درجة (٢) ، معناه ـ كما قيل ـ : من سمع كلمة وفهم معناها حصلت له معرفة ، وزالت عنه جهالة ، وارتفعت منزلته بإزاء هذا القدر من العلم ؛ لأنّ العلم بذاته شرف وكمال ، والجهل بذاته آفة وزوال ، وهكذا ، كلما ازداد الإنسان يقينا ، ازداد في الملكوت منزلة.
__________________
(١) ـ أنظر : الكافي : ١ : ٣٤ ، باب ثواب العالم والمتعلّم.
(٢) ـ ورد مضمونه في الأصول الستة عشر : ٤٦ ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليهالسلام.