فصل
ومن الغرائب الإنسانية إطاقته بقوّته فعلا ، أو تحريكا ، أو حركة تخرج عن وسع مثله ، والسرّ فيه أن مبدأ القوّة البدنية هو الروح الحيواني ، ثمّ هو قد ينقبض إلى داخل فتنحط القوّة كما تعرض عند خوف ، أو حزن ، وقد تنبسط إلى خارج ، فتتضاعف القوّة ، كما يعرض عند الغضب والمنافسة ، وكما يعرض عند الفرح المطرب ، أو الانتشاء المعتدل ، فيمكن أن يعرض لعبد من عباد الله ارتياح ، كما يعرض عند الفرح ، فأعطي القوّة الّتي لها سلاطة وقهر ، أو تغشيه غرّة كما تغشى عند المنافسة ، فاشتعلت قواه حمية ، وكان ذلك أعظم وأجسم ممّا يكون عند طرب ، أو غضب ، ولا سيّما إذا كان ذلك ببهجة الحق ، والاغترار الرباني ، والحمية الإلهية ، من لدن مبدأ الحق ، وأصل الرحمة ، كما يكون لأولياء الله ، وإليه أشار مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام : «والله ما قلعت باب خيبر بقوّة جسدانية ، ولكن قلعته بقوّة ربّانية» (١).
فصل
ومن ذلك الإمساك عن القوت مدّة غير معتادة ، والسر فيه توجّه النفس بالكلية إلى أمر ما ، وسيّما إذا كان من الأمور القدسية ، والنشأة العليا ، فإن ذلك مستلزم لتشييع القوى الجسمانية ، وانجذابها خلفها ، وهو مستلزم لترك تلك القوى أفاعيلها الّتي منها الهضم والشهوة والتغذية ، وما يتعلق بها ، وهو موجب
__________________
(١) ـ شرح نهج البلاغة : ٥ : ٧ ، مع اختلاف في الذيل.