فقد سمعنا الأحجار تذكر الله رؤية عين ، بلسان تسمعه آذاننا ، وتخاطبنا مخاطبة العارفين بجلال الله ، ممّا ليس يدركه كلّ إنسان.
وقال في موضع آخر : وليس هذا التسبيح بلسان الحال ، كما يقوله أهل النظر ممن لا كشف له ، قيل : إنّ الإنسان إذا أراد أن يبلغ إلى هذا المقام يجب أن يصير حيوانا مطلقا ، لئلّا يزاحمه العقل ؛ ولهذا من يبلغ إليه يصير أبكم.
قال صاحب الفتوحات : لما أقامني الله تعالى في هذا المقام ، تحقّقت بحيوانيّتي تحقّقا كليا ، وكنت أرى وأريد أن أنطق بما أشاهده ، فلا أستطيع (١).
فصل
ما ذكرناه أنموذج من عجائب النشأة الإنسانية ، وغرائبها ، ولها عجائب أخرى ، وغرائب لا تحصى ، بعضها مذكور في الكتب الّتي صنّفت في هذا ، ككتاب «عجائب المخلوقات» (٢) ، وكتاب «عجائب الحيوان» ، وغير ذلك.
__________________
(١) ـ هذه العبارة من قوله : «إن المسمى بالجماد» إلى قوله : «فلا أستطيع» ذكرها في شرح فصوص الحكم للقيصري بكاملها ، ولكنها في الحقيقة عبارات متفرّقة مأخوذة من الفتوحات المكية ، ومن فصوص الحكم ، أنظر: شرح فصوص الحكم : ٢٣٨ ، والفتوحات المكية : ١ : ١٤٧ ، وفصوص الحكم : ١ : ١٨٦.
(٢) ـ كتاب عجائب المخلوقات : لزكريا بن محمّد بن محمود ، الكوفي ، القزويني ، المتوفّى سنة «٦٨٢» ، ألّفه في زمن مفارقته من الوطن ، قال : وقد ذكر فيه أشياء يأباها طبع الغبي الغافل ، ولا تنكرها نفس الذكي العاقل ، فإنّها وإن كانت بعيدة عن العادات المعهودة ، لكن لا يستعظم شيء مع قدرة الخالق ، وجميع ما فيه إمّا عجائب صنع الباري ، وذلك إمّا معقول ، أو محسوس لا شكّ فيها. وإمّا حكاية ظريفة منسوبة إلى رواتها ، وإمّا خواصّ غريبة ، وذلك ممّا لا يفي العمر بتجربتها ، ولا معنى لترك كلّها لأجل الشكّ في بعضها ، فإن أحببت أن ـ