الرحمن ، وهي أيضا شجرة مباركة ، لا شرقية ولا غربية ، لتجرّدها عن شرق العالم وغربه ، وعدم اختصاصها بمكان أو زمان ، فلا توجد في جانب دون جانب ، كما لا توجد في وقت دون وقت.
فصل
وقال بعضهم : إنّ أوّل من سلك سبيل الغواية والضلالة ، وطرده الحقّ عن عالم رحمته، ووقع عليه اسم إبليس ، هو جوهر نطقي شرّير ، يتولّد من طبقة دخانية نارية ، لها نفس ملكوتية ، صدرت بجهة ظلمانية ردية ، شأنه الإغواء ، وسبيله الإضلال ، كما في قوله تعالى ، حكاية عن اللعين : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (١) ، وقوله : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (٢) ؛ وذلك لأنّ له سلطنة ـ بحسب الطبع ـ على الأجسام الدخانية والبخارية ، ونفوسها الجزئية ، والطبائع الوهمانية ، وتطيعها تلك النفوس والقوى الوهمانية لمناسبة النقص والشرارة ، وكونه مجبولا على الإغواء والإفساد والاستكبار ، وادّعاؤه العلو ، كما في قوله سبحانه : (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) (٣) ، إنّما هو بمقتضى طبعه ، الغالب عليه النارية الموجبة للإهلاك والعلو.
ووجه تأثيره في نفوس الآدميين : إمّا من جانب المؤثّر ، فللطافته ، وسرعة نفوذه في عروقهم ، ولطائف أعضائهم ، وأخلاطهم الّتي هي محال الشعور
__________________
(١) ـ سورة ص ، الآية ٨٢ و ٨٣.
(٢) ـ سورة الأعراف ، الآية ١٦.
(٣) ـ سورة ص ، الآية ٧٥.