لمكة وأن العرب يعاقبون بين الباء والميم ومن ذلك ضربة لازم وضربة لازب. ومنها البك يعني الازدحام وأن مكة سميت بكة وصفا لأنها تزدحم بالناس بالطواف والحج. ومنها أن بكة اسم للموضع الذي فيه البيت ومكة اسم لما عداه. ومنها أنها من التباكي لكثرة ما يكون فيها من ابتهال وبكاء. وليس شيء من ذلك في الصحاح. والمتبادر من روح الجملة أنها اسم آخر لمكة والله أعلم.
ومع ما للآيات من خصوصية جدلية وزمنية فإن جملة (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) اتخذت سندا تشريعيا قرآنيا لفريضة الحج في الإسلام لأنها أقوى في هذا المعنى مما جاء في آيات الحج في سورتي البقرة والحج. ولا يخلو هذا من وجاهة ولقد أوردنا في سياق تفسير آيات الحج في سورة البقرة ما روي في مدى الاستطاعة الواردة في الجملة من أحاديث نبوية وصحابية وتابعية في جملة ما أوردناه من ذلك في سائر تقاليد الحج ومناسكه وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار فنكتفي هنا بالتنبيه على ذلك.
ومع أن جملة (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٩٧) هي على ما ذكرناه كإعلان مسبق باستغناء الله عن الذين يكفرون أو يمارون بما تقرره الآيات فإن بعض المؤولين قالوا إنها في صدد تقرير كفر المسلم الذي ينكر فرض الحج. وقد أورد الطبري حديثا عن أبي داود قال : «تلا رسول الله الآية فقام رجل من هذيل فقال يا رسول الله من تركه كفر؟ فقال : من تركه لا يخاف عقوبة ومن حجّ ولا يرجو ثوابه فهو كذلك». والحديث لم يرد في الصحاح. ولكن هذا لا يمنع صحته. والمتبادر أن من يكون هذا موقفه من الحج فإنه يكون منكرا أو كالمنكر لفرضه. وعلى كل حال فكفر من ينكر فرض الحج ولا يعتقد أن في تركه عقوبة وفي القيام به أجرا بديهي بقطع النظر عن قصور الآية تقرير ذلك أو عدمه والله أعلم.
استطراد إلى شمول أمن البيت
مع أن جملة (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) في الآية الثانية تنطوي على تقرير ما كان