تعليق على الآيات الأربع الأولى من السورة
وما فيه من التنويه بفضل الله على العرب
في تكريمهم بإرسال نبيه منهم
ولم نطلع على رواية في مناسبة نزول الآيات. والمتبادر أنها متصلة بالآيات التالية وتمهيد لها.
وقد انطوت في حدّ ذاتها على معاني التنويه والمنّ الرباني بما كان من فضل الله على العرب وتكريمهم وتشريفهم بنبيه العربي وكتابه العربي. وفي هذا تلقين قوي بما يجب عليهم من إخلاص واستمساك شديدين بدين الله وكتابه وسنّة رسوله التي هي الحكمة التي علّمهم إياها النبي. ثم بما يجب عليهم من الدفاع عن هذا التراث المجيد وحفظه نقيّا صافيا طاهرا شكرا لله على ما كرّمهم به من عروبة نبيه وكتابه التي كان لهم فيها رفعة الذكر وعلوّ القدر وخلود الاسم وقوة السلطان الروحي بين أمم الأرض عامة والأمم الإسلامية خاصة.
وهذه المعاني كلّها مما انطوى في آيات عديدة مكية ومدنية في سور سابقة (١) وعلّقنا عليها بما يقتضي ، حيث يبدو أن حكمة التنزيل اقتضت تكرار ذلك وتذكير العرب به في المناسبات المختلفة والمتجددة.
ولقد ورد في فصل التفسير من صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : «كنّا عند النبي صلىاللهعليهوسلم حين أنزلت عليه سورة الجمعة فتلاها فلما بلغ : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قال له رجل : يا رسول الله من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فلم يكلمه رسول الله وسلمان الفارسي فينا فوضع يده عليه وقال : والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من هؤلاء» (٢). وقد أورد الطبري وغيره بالإضافة إلى هذا الحديث الذي أوردوه أقوالا معزوة إلى مجاهد
__________________
(١) انظر تفسير آيات سورة الأنبياء [١٠] والزخرف [٤٣ ـ ٤٤] والحج [٧٨] والبقرة [١٤٣].
(٢) التاج ، ج ٤ ص ٢٣٤.