وكسرة. ولقد كان من الممكن أن يتغير مجرى تاريخ الإسلام لو انكسر المسلمون في وقعة بدر. وهذا ما عناه النبي صلىاللهعليهوسلم في دعائه المروي : «اللهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض».
ولقد روى الطبري وغيره عن بعض أهل التأويل أن هاتين الآيتين هما خاصتان بيوم بدر لا قبله ولا بعده ، وأن بعض المؤمنين ولّوا الأدبار يوم أحد ويوم حنين فعفا الله عنهم كما جاء في آية سورة آل عمران [١٥٥] وآيات سورة التوبة [٢٥ ـ ٢٧] ومعنى هذا أن الآيتين منسوختان. على أن هناك من قال إنهما محكمتان وإن توبة الله وعفوه عن المتولّين يوم أحد ويوم حنين أمر خاص لا يستوجب نسخ حكمهما. وقد رجّح الطبري هذا القول وفي هذا سداد وصواب. وإطلاق الكلام في الآيتين يؤيد ذلك حيث يلهم بقوة أنهما بالنسبة للمستقبل عامة ، ولا سيما نزلتا بعد معركة بدر على ما رجّحناه قبل. ولقد روى الخمسة حديثا عن أبي هريرة يذكر فيه «من الموبقات السبع التولّي يوم الزحف» (١). وروى الطبري عن ابن عباس قولا جاء فيه «أكبر الكبائر الشرك بالله والفرار يوم الزحف». والحديثان هما بالنسبة لكل موقف ويدعمان قول محكمية الآيتين وشمولهما لكل موقف.
تعليق على ما قيل في مدى جملة
(وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)
لقد اتخذ بعض الكلاميين هذه الجملة حجّة على إثبات عدم تأثير أي مؤثر في شيء ما لذاته ، فالنار في رأي القائلين لا تحرق وإنما الحارق الله. والسكين لا تذبح بذاتها وإنما الذابح الله ... إلخ (٢).
وهذا للرد على مذهب كلامي آخر يقول بتأثير عمل الإنسان ومسؤوليته عن الأثر الذي يحدثه ومع تسليمنا بصواب استلهام نصوص القرآن وتلقيناته ومبادئه في
__________________
(١) انظر الحديث في التاج ، ج ٤ ص ٨١.
(٢) انظر تفسير الجملة في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والزمخشري والطبرسي.