الحجج الأصولية والفقهية والكلامية والاجتماعية والأخلاقية فإن الذي يتبادر لنا أن أسلوب الآية [١٧] التي فيها الجملة هو أسلوب تعبيري اقتضاه المعنى الذي أريد تقريره في الموقف الذي استدعى هذا التقرير على نحو ما ذكرناه في شرحها وما نرجو أن يكون هو الصواب. وإذا لا حظنا أن هناك آيات كثيرة جدا ورد فيها تقرير نسبة الفعل وأثره لفاعله وترتيب مسؤولية هذا الفعل وأثره على الفاعل في الدنيا والآخرة مما هو في غنى عن التمثيل هنا لوروده في معظم السور القرآنية المكية والمدنية ساغ القول إن في تحميل الآية ذلك المعنى واستنباط تلك الحجة منها تجوّزا وابتعادا عن التساوق مع النصوص القرآنية. على أن من المعروف من ناحية البحث الكلامي أن الذين يقولون بطبيعة النار الإحراقية وطبيعة السكين الذابحة يقولون أيضا إن الله قد جعل في النار طبيعة الإحراق وفي السكين طبيعة الذبح كما أودع في الإنسان قابلية العمل وحرية التمييز والاختيار. وهذا على ما هو واضح هو المتّسق مع طبيعة الأشياء ومع حكمة الله ونواميسه في خلقه والمنسجم مع العبارات القرآنية التي تنسب الفعل لفاعله وتقرر مسؤوليته من أجل ذلك عنه وتخاطب الناس على أساس هذا المفهوم.
هذا ، ولبعض الصوفيين شطح آخر في تأويل الجملة حيث يستنتجون منها أن فعل العبد هو عين فعل الله بقصد إثبات كون ذات العبد هو عين ذات الله أو صورته تعالى الله. وقد تصدى الإمام ابن تيمية لذلك فيمن تصدوا له ونبّه على ما فيه من مغالطة ومفارقة بل وكفر إذا أريد القياس عليه فيقال للماشي ما مشيت ولكن الله مشى. وللآكل والشارب والصائم والمصلي بل وللكافر والكاذب والزاني والزانية والقاتل والسارق مثل هذا والعياذ بالله تعالى (١).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ
__________________
(١) انظر كتاب مصرع التصوف لعبد الرحمن الوكيل.