ومهما يكن من أمر هذه الروايات فإن الآيات يمكن أن تلهم حدوث شيء مماثل لما ورد فيها. كما أن الآية [١٧] يمكن أن تلهم معنى أشمل من الردّ على ما كان من تفاخر بعض المسلمين وهو أن الله هو الذي نصرهم وهزم أعداءهم وكبتهم وأن هذا لم يكن لو لم يلهمهم الله الدخول في المعركة ويثبت أقدامهم وقلوبهم فيها في حين أن بعضهم كان يتهيب منها. والفقرة الأخيرة من الآية [١٩] قرينة قوية على هذا التوجيه. ولعل فيها تدعيما لما استهدفه مطلع السورة فالله هو الذي ألهم ونصر وقتل ورمى ، والأنفال من أجل ذلك هي منوطة بأمره ولا يحق لأحد أن يدّعيها.
ومع ما في الآية الأخيرة من التحدي والإنذار للكفار فقد احتوت أيضا دعوة من جديد إلى الحق والصواب والكفّ عن الموقف الباغي الجحودي. وقد جاءت الدعوة من جانب الغالب للمغلوب. وفي هذا ما فيه من جليل التلقين ورائعه في صدد مبادئ الجهاد الإسلامي وفي صدد هدف الرسالة المحمدية في هداية الناس على اختلافهم ومختلف مواقفهم ودعوتهم المرة بعد المرة وفي كل مناسبة وظرف إلى الحق والصواب والخير والإسلام مما تكرر في الآيات القرآنية المكيّة والمدنيّة وفي الظروف المماثلة أيضا.
ولم يرو المفسرون شيئا في مناسبة الآيتين الأوليين أي [١٥ و ١٦] وكل ما قالوه أنهما نزلتا في أهل بدر. وكلامهم يفيد أنهما نزلتا قبل المعركة ؛ مع أن كل الآيات السابقة واللاحقة من السورة نزلت بعد انتهاء المعركة على ما يلهمه فحواها ونبهنا عليه قبل.
وقد تلهمان أنه لوحظ على بعض المسلمين حين اشتداد المعركة شيء من الاضطراب أو أن بعضهم كاد ينكشف للعدو فاقتضت الحكمة هذا التنبيه والإنذار الشديدين اللذين احتوتهما الآيتان بالنسبة للمستقبل. والحكمة في هذا التشديد القاصم واضحة. والتلقين فيها مستمر المدى. فإن الجهاد ثبات وجلد. وفرار واحد من الصف قد يخلّ الصف كله. وقد يضيع ثمرة النصر ويقلبه إلى هزيمة