لدى الانسان جميع الاسباب والوسائل الا الى الله تعالى وتتفتح البصيرة حينئذ وينجلي الافق على مد البصيرة ، لا شيء الا الله ، ولا قوة الا قوته .. ولا حول الا حوله ، ولا ارادة الا ارادته فلا ملجأ الا اليه ، وعندئذ تلتقي الروح بالحقيقة الواحدة. والنص القرآني هنا يصل بالنفس الى هذه النقطة ويرفعها في معارج الكمال الانساني.
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)
انا لله كلنا كل ما فينا ، وكل كياننا وما نملكه وما يرجع الينا من مال وأولاد وأنفس وثمرات كله لله وهؤلاء هم الذين يعلي المنعم الجليل مكانهم عنده جزاء لصبرهم الجميل وعقيدتهم المتينة.
(أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
صلوات من ربهم يرفعهم بها عن مصاف سواهم ، ويشركهم بها في نصيب الانبياء والصديقين ، والملائكة المقربين ، وهو مقام شامخ رفيع ، وشهادة من الله بانهم هم المهتدون.
ان الله تعالى يضع جميع ما يرغب به الراغبون في كفة ، ويضع في الكفة الاخرى أمرا واحدا هو صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون ، انه لا يعدهم بالنصر ولا يعدهم بالتمكين في الارض والفوز والنصر على الاعداء ، ولا يعدهم بالغنائم ، بل وعدهم شيئا أعظم وأعلا وأثمن وأغلى ، هي صلوات من ربهم ، ورحمة ومن ثم هو رضا الخالق العظيم عليهم وبركاته ، هذا هو الهدف الوحيد لمن عرف الله كما ينبغي أن يعرف ، وهذه هي الغاية ، وهذه هي الثمرة الحلوة التي تهفو اليها أفئدة الابرار وحدها.
فاما ما يلحق ذلك وما يترتب عليه بدون قصد من النصر والتمكين في الارض فليس لهم به قصد. انما هو لدعوة الله التي يحملونها.